قوله تعالى: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم 35}
  {يهدي الله لنوره من يشاء}: لا من يشاء غيره يهدي، ولو كانت البرية كلها لمن لا يريد هدايته ظهيرا - لما اهتدى المرء أدنى الهداية، إلا أن يشاء الله.
  وقد يتجه أن يكون الله سبحانه شبه نبيه ÷، كما شبه القرآن والإيمان بالمعنى الذي وصفناه.
  ومعنى قوله: {زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء}، فهذه شجرة منبتها في مكان تطلع الشمس عليه، ولا تزول عنها حتى تغيب، وهي الشمس الضاحية، وهو أنضج لثمرها، تكاد أن ترى في الزيتونة التي هي ثمرها: وجهك من ودكها(١)؛ من نقائه وصفائه؛ فإذا وقد القنديل من زيت هذه الزيتونة، كان أنور للمصباح؛ وهذه أمثال ضربها الله للناس لعلهم يتفكرون.
  وقال بعضهم: إن معنى: {زيتونة لا شرقية ولا غربية} أنه: محمد صلى الله عليه وآله يصلي لا للمشرق ولا للمغرب؛ ولكن لكعبة الله البيت الحرام.
  وقال # في كتاب (مديح القران الكبير) منه، بعد أن ذكر الآية ما لفظه:
  فمثل سبحانه ما في كتابه من نوره وهداه، وما وهب - من تبيينه فيه برحمته - أولياءه: بمشكاة قد ملئت نورا بمصباح، في زجاجة نقية ككوكب دري، ومثل كتابه بما فيه من هداه بنور مصباح زاهر مضي، قد نقيا من كل ظلمة وغلس، وصفيا من كل كدر ونجس؛ فأعلمنا سبحانه بأنه هو: نور السماوات والأرض ومن فيهما؛ إذ هو الهادي لكل من اهتدى من أهليهما.
  وقد قيل في التفسير: إن المشكاة هي: الكوة، التي يجمع ما فيها كما يجمع ما فيه السقا والشكوة(٢)؛ فنور هدى كتاب الله محفوظ بالله مجتمع، وكل من وفقه الله
(١) قال في القاموس المحيط: الوَدَكُ، محرَّكةً: الدَّسَمُ. إهـ ومراد الإمام به: الزيت هنا، إذ هو دسم الشجرة.
(٢) قال في القاموس المحيط: والشَّكْوَةُ: وِعاءٌ من أدَمٍ للماءِ واللَّبَنِ. ج: شَكَوَاتٌ وشِكاءٌ.