قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا 72}
  الإنسان بما بناه الله عليه، من تبيينه للخيانة في الأمانات والتأدية ما(١) صغر حليته في الخلقة والتركيب، من قدر ما ذكر الله من الخلق العجيب؛ وأنت - رحمك الله - فقد تعلم أنك لو عرضت بفكرك، وفي تقديرك ونظرك، فضلا عما قد تعلمه يقينا بقلبك، على ما قد تعرفه من السماوات - أمانة من الأمانات - لما حملتها، ولا شيئا منها؛ إذ كن عندك في علمك غير ناطقات، وهن فإذا كن كذلك فهن لحمل الأمانات غير مطيقات، فإذا كن من ذلك - لنفس خلقهن، وما بنين عليه من ضعفهن - ممتنعات: أفضل مما يقول به منها قائل، أو يتحير من علمائها عالم.
  وقد يحتمل أيضا: أن يكون إنما أريد السماوات والأرض والجبال: أهلهن، ومن جعل ساكنا لهن مما ينطق، ويأبى ويشفق، كما قال إخوة يوسف: {واسأل العير}، وليسوا يريدون: إبلها؛ فهذا وجه من الوجوه، ليس بسيء ولا مكروه، مفهوم معقول، يجوز بمثله في العرب القول.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي #:
  أراد تبارك وتعالى: أنه لو كان في السموات والأرض والجبال من الفهم والتمييز ما في الآدميين، ثم عرض عليها ما عرض على الآدميين، من حمل الأمانات التي قبلها الآدميون - لأشفقت السموات والأرض والجبال من حملها، ولما قامت بما يقوم به الآدمي من نقضها، مع ما في الأمانة من الخطر وعظيم الأمر، على من لم يؤدها على حقها، ويقم بها على صدقها.
  والأمانة على صنوف شتى، فمنها: قول الحق وفعله، ومنها: أداء الشهادة على وجهها، ومنها: أداء الحقوق إلى أهلها، من الأنبياء المرسلين، والأئمة الهادين، ومنها: الودائع من الأموال وغيرها، ومنها: العقود التي قال الله تبارك وتعالى
(١) هكذا في الأصل المنقول منه، ولعل فيه نقصاً، ولعل لفظ الكلام: «والتأدِيَةِ مما [أو ممن] صَغُرَ حِلْيَتُهُ في الخلقة والتركيب من قدر ...»، وقوله: «من قدر ما ذكر الله ...» متعلِّقٌ بقوله: «صَغُرَ».