تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير 12 يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور 13}

صفحة 370 - الجزء 2

  {يعملون له ما يشاء من محاريب}، والمحاريب فهن: محاريب المساجد وبناؤها. {وتماثيل}، والتماثيل فهي: التماثيل التي كانت الشياطين تعملها لسليمان #، تمثل له كلما أراد من الصفر والزجاج والحجارة وغير ذلك، ومثل ما مثلت من صرح صاحبة سبأ، وأشياء كثيرة معروفة، وهي اليوم ظاهرة موجودة في الدنيا، بالشامات وبمصر وفي بيت المقدس. والجفان فهي: هذه الجفان المعروفة، التي يكون فيها الماء والطعام، فكانت تنحتها له من الصخور، وتعملها من الصفر على ما ذكر الله من العظم والكبر كالجواب. والجواب فهي: الحفر الكبار، تسمي العرب الحفرة الكبيرة: جوبة من الأرض، وفي الأرض. والجواب فهي: جمع الجوبة الواحدة. {وقدور راسيات}، فالقدور هن: البرام⁣(⁣١) التي يطبخ فيها؛ فكانت تعملها من الصفر على غاية ما يكون من العظم، حتى كانت راسيات؛ والراسيات فهي: التي لا يحركها لكبرها إلا الخلق الكثير، فهي لثقلها راسية على أرضها، ثابتة في مكانها، قائمة بأثافي⁣(⁣٢) منها، مفرغة⁣(⁣٣) فيها، توقد النار من تحتها ومن حولها إذا أريد أن يطبخ شيء فيها؛ فلثباتها مكانها سميت راسيات؛ إذ كانت لثقلها في المكان متروكات. {اعملوا آل داود شكرا}، يقول: اعملوا لله شكرا على ما أعطاكم، وخصكم به دون غيركم وأولاكم. {وقليل من عبادي الشكور}، يقول: قليل من عبادي من إذا أنعمت عليه بنعمة من نعمي كان شاكرا فيها لي، أو قائما بما يجب فيها من حقي، فلا يكونوا في ذلك كمن ذمها بقلة الشكر من أولئك.


(١) قال في القاموس المحيط: البُرْمَةُ، بالضم: قِدْرٌ من حِجارَةٍ ج: بُرْمٌ، بالضم.

(٢) قال في القاموس المحيط: الأُثْفِيَّةُ، بالضم وبالكسر: الحَجَرُ تُوضَعُ عليه القِدْرُ. ج: أثَافِيُّ وأثافٍ.

(٣) في نسخة: مفرَّعة.