قوله تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
  قال إنه في السماء، وفي الأرض؟
  فجوابنا في ذلك: أن الله تبارك وتعالى في الأماكن كلها، مدبر لها حافظ قائم عليها، لم تحوه ولم تحط به، ولا نقول يصعد منه إليه، فنصفه بالغاية والتحديد، وأنه سبحانه في مكان دون مكان؛ ولكنا نقول: إن الله تبارك وتعالى خلق ملائكته، وتعبدهم بما شاء، فكلف بعضهم نقلة الأخبار من السماء إلى الأرض، ونقلة الأخبار من الأرض إلى السماء، وأنه خلق السماء فأسكنها ملائكته لعبادته، بعضهم ينسخ أعمال الآدميين، ووكل بعضهم رقيبا وحافظا على الملائكة التي وكلت بنسخ أعمال الآدميين، وكذلك قالت الملائكة À: {وما منا إلا له مقام معلوم}[الصافات: ١٦٤]، أي: ما وكلوا به من صنوف التعبد، وقوله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، معناه في الآية الأخرى: مثل قول إبراهيم الخليل #: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين}[الصفات: ٩٩]، ولم يبرح الأرض في حال ذهابه إلى ربه، وقد كان الله معه، وقد قال لكليمه موسى وأخيه هارون صلى الله عليهما: {إنني معكما أسمع وأرى}[طه: ٤٦]، وذهاب إبراهيم صلى الله عليه إلى ربه، في الحالة التي ربه معه فيها، وإنما معناه في ذهابه إلى ربه: توجهه إليه بعبادته، وتشاغله عما سواه. وكذلك توجيه الملائكة بصعود أعمال العباد إلى الموضع من السماء الذي تعبدت به، ولتصعد بأعمال العباد إليه، وإنما توجهت بتلك العبادة إلى الله، كما ذهب إبراهيم إلى ربه، بمعنى: توجهه بعبادته إليه.
  ووجه آخر في الصعود هو: القبول لذلك؛ لأنك تقول لا يصعد إلى الله هذا الكفر، ويقال: قد نسخت الملائكة أعمال الكافرين، وصعدت بها إلى الله، وهو لا يقبلها، ولا تصعد إليه أعمالهم، بمعنى: لا يقبلها، وكذلك قال الله ø: {والعمل الصالح يرفعه} بمعنى: إنما يقبل الله الكلام الطيب بالعمل الصالح.
  فإن لج السائل بالشغب، فقال: أيصعد من الله إلى الله؟!