قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 32}
  قلنا: هذا سؤال من استوضح سلسال فرات الدين من مد بصره، ثم قام هنالك، ولم يزاحم على شرائعه بمنكبيه؛ لأن ما ذكر لا يخرجهم من ذلك، وكيف يخرجهم والله عز من قائل، يقول: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ٢٦}[الحديد]، ففسق الفاسق - كما ترى - لم يسقط وجوب الرجوع إلى المهتدي.
  وقال عز من قائل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}[فاطر: ٣٢]، فصرح ø باصطفائه لهم مع أن فيهم الظالم لنفسه؛ لأنه علام الغيوب، وقد ذكره للبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ فقد رأيت تهدم هذا السؤال من كل جانب، بكلام الصادق الذي لا يجوز عليه الكذب، ولا شيء من القبيح، كما قدمنا.
  ومن حيث فضلوا وجب عليهم من الاجتهاد في الطاعة أكثر مما وجب على غيرهم، وضوعف لهم الأجر - كما قدمنا - على الطاعة، وضوعف العقاب على المعصية، ولا يعلم بين أحد من علماء آل الرسول $ فيما قلنا من: مضاعفة الثواب لمطيعهم، والعقاب لعاصيهم - اختلافا، وفي ذلك ما روينا عن الناصر للحق، الحسن بن علي الملقب بالأطروش ~، في بعض مواعظه، في كلام فيه بعض الطول، انتهى فيه إلى أن قال: «وإن طريق الجنة خشن، وبالاجتهاد يبلغ إليها؛ إني لا أمني نفسي ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دل على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسن هذه السنن، فنحن أولى الناس باتباعه، واقتفاء أثره، واحتذاء مثاله، والاقتداء به.» هذا كلامه ~؛ فصرح بما ذكرنا من مضاعفة العقاب، وليس إلا لما ذكرنا من الاختصاص الذي يجب شكره، ولا