قوله تعالى: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون 7 إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون 8 وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون 9 وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 10}
  تنذرهم لا يؤمنون} فهذا أيضا فإخبار من الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله عن: اختيارهم للكفر، وصدهم عن الهدى والإيمان، وأنهم لا يؤمنون، ولو أكثر من الإنذار، وأطال من الإعذار؛ لما قد غلب عليهم من الحمية والجهل، وداخلهم من الحسد والدغل، لا أن الله أحدث ذلك فيهم، ولا قضاه سبحانه عليهم.
  وقال في موضع آخر في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ٨ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ٩}:
  وسألته عن: قول الله سبحانه: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان}، إلى قوله: {فهم لا يبصرون}؟
  فقال: هذا رد من الله سبحانه عليهم، وإكذاب لهم في قولهم، حين قالوا: {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه}، إلى آخر الآية، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وآله هذه الآية، يريد: أئنا جعلنا في أعناقهم أغلالا، وجعلنا من بين أيديهم سدا، كما قالوا وكما ذكروا: أن على قلوبهم أكنة، وفي آذانهم وقرا؟! هذا ما لم يفعله بهم، ولم يجعله على قلوبهم. وكذلك في قوله: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}، يريد: أئنا جعلنا ذلك بهم كما قالوا؟! هذا ما لم يكن منا فيهم، ولم نحكم به عليهم. ثم قال: {وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}، يقول: إن كنا فعلنا هذا بهم فلن يستطيعوا أن يخرجوا منه إلى الهدى، ولن يطيقوا دخولا إذا في هذا؛ فلم أرسلناك إليهم، وأمرناك بدعائهم، لو كنا فعلنا ذلك بهم؟! هذا إذا منا عبث واستهزاء، وأمر منا إياك لمغالبة لنا، وأمر منا لك بالدعاء لهم إلى خلاف إرادتنا، وتكليف منا لك ولهم خلاف ما يستطيعون، وأمر منا لهم بما لا ينالون؛ فتعالى عن ذلك علوا كبيرا، وتقدس تقديسا عظيما.