قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  بلغوهم جزاء ولا أجرا، وأنهم مهتدون.
  ثم قال إيمانا بربه، وشكرا لنعمته: {ومالي لا أعبد الذي فطرني}، يعني: الذي اخترعني وخلقني. {وإليه ترجعون}، فذكر - رحمة الله عليه - بما يجب عليهم من شكر الله في فطرته لهم، ورجوعهم عند الوفاة إليه.
  ثم قال منبها ومذكرا، وعن عبادة آلهتهم وأصنامهم من دون الله زاجرا: {أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون}؛ لأن الكافرين من المشركين كانوا يقولون: إن آلهتهم التي من دون الله يعبدون - يشفعون لهم عند الله وينفعون، فذكرهم الرجل المؤمن الذي جاء إليهم يسعى: أن آلهتهم التي عبدوا من دون الله - لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا.
  ثم قال: {إني إذا}، يقول: إن فعلت في كفر ربي فعلكم، وقلت من الكذب قولكم، وعبدت الأصنام من دونه كما عبدتم، {لفي ضلال مبين}، والضلال الذي عنى المؤمن - رحمة الله عليه - فهو: الضلال عن الطريق المستقيم، والصراط الذي هدي إليه، والمبين فهو: الظاهر البين العلين.
  ثم صدع بالإيمان بالله، والتوحيد والإقرار لعبادته بين قومه، قائلا: {إني آمنت بربكم فاسمعون}، يقول الله سبحانه وتعالى مبينا، ولإيمانه ذاكرا، وله بذلك مثيبا ومجازيا: {قيل ادخل الجنة}، ثم أخبر عن المؤمن - صلى الله عليه - إذ دخل الجنة، ورأى كريم الثواب والنعيم، وصار إليه، وعن قوله إذ يقول متمنيا، لأن يكون من أكذبه من قومه بما وهبه الله من الغفران والجنة عالما: {قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}، وأي مكرم أجل قدرا في الكرامة وأعظم تكريما، ممن أدخله الجنة، ومن عليه بثوابها ونعيمها خالدا فيها مقيما؛ ويشبه - والله أعلم - أن يكون قوله إذ قال لهم هذه المقالة، وأعلمهم بما هم عليه وآباؤهم في عبادة من عبدوا من دون الله من الضلالة،