تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}

صفحة 404 - الجزء 2

  ثم قال: {ليأكلوا من ثمره}، أي: ما طعمنا من ثماره وأكله، ضروبا مختلفات أنشأها لنا بكرمه وفضله، فواكه مفكهة كفانا سبحانه تدبيرها، وغذاها بالأنهار والعيون التي فجرها وأجراها، حتى أكمل إصلاحها وملكناها، وهنأنا أكلها واغتذائها، وأجراها حتى إذا تم صلاحها، قال سبحانه: {وما عملته أيديهم أفلا يشكرون}، وما عملت ذلك - كما قال سبحانه - أيدينا؛ بل هو الذي صنعه وفطره ومن به علينا، وما ذكر الله من هذا كله فتقرير منه وتوقيف لخلقه على نعمه وفضله، وكل الأولين والآخرين جميعا والكافرون - فهم له سبحانه بصنع هذا كله مقرون، ولما عرف منه وذكر لا ينكرون. ثم قال تعالى إلى الشكر داعيا، إذ لم يكن بالكفر لعباده راضيا: {أفلا يشكرون}.

  وذكر ربنا وإلهنا عجيب ما خلق وصنع معرفا، في خلق الأزواج كلها للحكمة فيها واصفا: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون}؛ فأي أعجوبة أعجب، أو عبرة في لطيف تدبيره أقرب، مما أنشأ وخلق من الإناث والذكران، في النبات جميعا وكل الحيوان، من الإنسان وغير الإنسان، فجعل ما خلق من ذكرانها وإناثها، سببا لنمائها وصلاحها وانبثاثها. ثم قال جل وتقدس: {مما لا يعلمون}، فأخبر: أن الأزواج من الذكران والإناث في أشياء أخرى، لم يطلعوا عليها ولم يحيطوا بها خبرا، كالنجوم التي لا يشك من يعلم بعض ما علم الله من خبرها: أن فيها ذكرانا وإناثا، معروف ذلك من أمرها، وقد ذكرها تبارك وتعالى بذلك فيما نبأ به من أنبائها، فذكر بعضها وأنث بعضها في أسمائها، فقال في القمر: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}، فذكره، وقال في الشمس: {والشمس وضحاها}، {وترى الشمس إذا طلعت}، والشمس والزهرة فأنثيان، والمشتري والقمر فذكران، وكذلك النجوم الثمانية وعشرون الأخرى، هي للشمس والقمر منازل ومجرى، فهي بغير شك ذكران وإناث، ليس بين أهل