قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  غفلة يتخاصمون في معايشهم وأمورهم فلا يدرون، حتى تهجم الصيحة عليهم وهم في غفلة مغترون، {فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون}، والتوصية هاهنا: الوصية، عندما يعاينون من التلف والمنية. {ولا إلى أهلهم يرجعون}؛ لأن ذلك يهجم على أكثرهم وهم مقبلون، ومدبرون في أسواقهم ومعايشهم غافلون.
  ثم أخبر تبارك وتعالى عما يكون بعد الصيحة، عند النشور في الصور من النفخة، والصور هاهنا - والله أعلم -: جماع الصور التي ينفخ فيها الأرواح، فتحيى للبعثة والنشر، فقال: {ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون}، وحينئذ يخرجون من أجداثهم - وهي القبور - ينسلون، والنسلان في المشي: السرعة التي هي دون العدو.
  وقال جل وتعالى عن الكفار مخبرا بغفلتهم، عن طول ما مر من الدهور بهم وهم في قبورهم، قبل حياتهم ونشرهم، ونشأتهم عند قيامهم لموتهم وحشرهم؛ لما كان من سرعة بعثهم، حتى توهموا إذ لم يحيوا بتجديد الله لما بلي من رسمهم، فيعلموا أنهم كانوا في رقدة، إذ لم يدروا بطول ما مر بهم من الأمد والمدة، ثم ذكروا أنهم كانوا ميتين، فقالوا عند الذكر فزعين مرتاعين، واتصل بفكرهم إذ أيقنوا ببعثهم ونشرهم جميع ما وعدوا به من الوعيد، فنزل بهم عند الفكر في ذلك هائل الكرب الشديد الوبيل، فدعوا من الويل بما ذكره الله في التنزيل، وقالوا: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}، يقول الله سبحانه مخبرا عما يكون من سرعة إحضارهم ذاكرا: {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون}.
  ثم أخبر سبحانه بكرمه وفضله، من حكمه يومئذ بين عباده بعدله: أنه لا يظلم في ذلك اليوم نفسا، ولا يجزي كل عامل إلا بما كان من عمله، فقال: {فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعلمون}.