قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  بالامتياز، الذي تأويله - والعلم عند الله -: التنحي عن المؤمنين بالعزلة والانحياز، فقال سبحانه: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}.
  ثم ذكر قوله - تعالى من قائل وتقدس - يوم القيامة لبني آدم، وهو يوقفهم على ما ترك ما أمر به إليهم، وما نهاهم عنه في الدنيا من عبادة الشيطان التي ترديهم: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين}، والمبين من الأعداء: الذي قد أظهر العداوة غاية الإظهار والإبداء.
  ثم ذكرهم - لا إله إلا هو - به من عبادته وأمرهم، فقال: {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}، والمستقيم: المعتدل الذي لا اعوجاج له القويم.
  ثم بكتهم جل وتقدس، وأنبأهم بما أضل الشيطان من القرون الكثيرة منهم، فقال: {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}، وأهل اللسان فلا يمترون أن الجبل: القرون، وفي قوله: {أفلم تكونوا تعقلون} تفهيم منه لهم: أن العقول من حججه عليهم، وأنهم إذا عطلوا عقولهم، غير معذورين باتباع عدوهم الذي يغويهم.
  ثم قال سبحانه لهم بعد التقرير والتوقيف، والتبكيت بذنوبهم والتعريف: ما ذكر من إيجاب المعاقبة عليهم بالنار في المقالة الكبرى، التي زال بها عنهم عند معاينة جهنم الشك والتكذيب والامتراء: {هذه جهنم التي كنتم توعدون ٦٣ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون}، فحينئذ وقعت عليهم الحسرة، وصاروا إلى غاية العقوبة، التي وعدوا بها في الآخرة، إذا صلوا نار جهنم، وندموا وتحسروا ولات حين مندم.
  ثم أخبر جل ثناؤه عما يريهم يومئذ من آياته العظام، باستشهاد أعضائهم عليهم فيما ارتكبوا من المعاصي والخطايا والآثام، وإصمات ألسنتهم من الشهادة والكلام، فقال: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما