قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  كانوا يكسبون}؛ ليروا من آياته سبحانه وعدله، وحكمه على كل ظالم إن سخط عليه في ظلمه - آية عظيمة من آياته؛ إذ شهدت جوارح الخاطئ منهم عليه بخطئه، فأراهم آية بينة من الآيات التي لا شك فيها، واستشهد من أعضاء أبدانهم شهودا عليهم تعلمهم، لا تهمة عندهم عليها، ولا ينكر من عرف قدرة الله وفضلها - إذ هو الذي أنطق اللسان - أن ينطق ما شاء من الأعضاء كلها؛ لأن اللسان إنما هو عضو من البدن، ولولا أنه أنقطه لم ينطق ولم يبن. وقد يمكن - والله أعلم - أن تكون شهادة الأعضاء عليهم: توقيفهم على كل خطيئة عملتها جوارحهم، مما مشوا إليه بأرجلهم، وبسطوا فيه بأيديهم، فلا ينكرون عند توقيفهم على خطاياهم ما له من النعم والامتنان عليهم.
  {لينذر من كان حيا}، يريد تعالى بالحياة: حياة العقل والنفس في قبولها للهدى وتذكرها؛ لأن من كان لا يتذكر بالقرآن فهو كالميت الذي لا حياة فيه، لا يبصر نور القرآن المضيء كضوء الشمس، لولا تعامي الكافر عما أهدي به إليه. ومعنى قوله: {ويحق القول} أي: يقع الوعيد ويجب العذاب على الكافرين.
  ثم رجعت القصة والخبر إلى مثل ما ذكر الله في أول السورة، ونبه عليه من شكر النعم، فأخبر سبحانه عن تمكينه لهم الأنعام؛ إذ جعلهم لها مالكين، يفعلون فيها ما يشاؤون، فقال - لا إله إلا هو - منبها ومذكرا: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون}؛ تفهيما منه سبحانه لعظيم النعمة في الأنعام، والأنعام فهي: ما جعل الله تبارك وتعالى وخلق من الآبال، وهي من نعم الله على الناس العظام الكبار، فملكهم إياها، وهو الذي ابتدعها وأنشأها. والأيدي هنا: القدرة، وما لله على صنع ما أراد من القوة؛ تقول العرب: «أنا فعلت بك ما فعلت بيدي من الخير»، ولعل إحسانه إليه إنما كان بالأمر واللسان، وكيف يتوهم من عقل ما لله من العظمة والجلال: أن ما ذكره الله من اليد فيما فعل وخلق