تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}

صفحة 417 - الجزء 2

  محضرون.

  ثم عزى نبيه ÷ عما يجد من الحزن بقولهم والغم، الذي يعزيه رحمة منه ÷ لعشيرته من النار، وحزنا لما يكذبونه فيما أنذرهم وأخبرهم من صادق الأخبار، فقال تعالى: {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون}.

  ثم قال سبحانه على الكافرين محتجا بالحجة والبرهان، وموقفا ومنبها لغفلة هذا الإنسان، فيما استعظم من التجديد بعد البلى لميت الأبدان: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين}؟! أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة مذرة، خارجة من قذاة النجاسة، فإذا هو خصيم مبين، فذكر الإنسان بما لا ينكر ولا يقدر على جحده؛ بل هو مقر من خلقه من نطفة؛ والنطفة في اللسان: القطرة الصغيرة، القليلة عند العرب من معروف البيان، وقد يدور ذلك بينهم كثيرا، ويقول القائل إذا ظمئ وعطش، وقل الماء في السفر إذا طلب ماء يسقاه من رفيق أو غير رفيق، وكان الماء عزيزا غير موجود: «يا هذا اسقني نطفة قليلة»، يريد: قطرة من الماء حقيرة غير كثيرة، وكذلك تقول العرب في وصف ما في السقاء والوعاء، إذا ذهب ماء القربة أو الوعاء، فلم يبق منه إلا الصبابة القليلة: «ما بقي في القربة أو غيرها إلا نطفة»، يريدون: قطرة، في التقليل قليلة؛ فذكر الله الإنسان، بعجب عجيب من الشأن، في قدرته على خلقه من أقل القليل، من النطفة والماء المهين الذليل، مبتدئا له ومخترعا؛ والنطفة فهي: النطفة في بنيتها، وضعفها ووهنها ومهانتها، لا روح فيها ولا حياة، ولا أعضاء ولا صورة مهيأة، ثم أخرج منها مع ضعفها وقلتها: بدنا وأعضاء عجيبة في تأليفها وترصيفها فيها، مع ما فيها من الحواس الخمس، من البصر والسمع والشم والمذاقة واللمس، وما هو أعجب من ذلك كله، مما لا تحس هذه الحواس إلا به، من النفس والعقل، وما صارت تلك النفس إليه من العقل، فبينما هي نطفة لا