قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  والرميم: اسم لما بلي من العظام، غير صفة كالرمة والرفات، فلذلك لم يؤنث حين أخبر به عن المؤنث، فلا يقال: لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث، ولا هو فعيل بمعنى: فاعل أو مفعول، وفيها دليل على أن الحياة تحل العظام.
  ثم زاد تبارك وتعالى من نظر واعتبر آية أخرى، وهي من آياته ودلائل قدرته الكبرى، ومكذبة لمن كان بجهله لإحياء الموتى منكرا، فقال - لا إله إلا هو - مذكرا ومعبرا: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون}، والشجر الأخضر فهو: الرطب المخضر، إذا قدحت بعيدانه النار مع خضرته وندوته؛ فجعل الله النار المحرقة في عيدانه آية مسكتة غير محرقة، لما هي فيه من العيدان لا يراها راء ببصر ولا عيان، حتى يخرجها الله بالقدح من العود للإنسان؛ فأي أعجوبة أعجب، أو آية في التنبيه على قدرته أقرب، من هذه الآية؛ إذ يخرج الله النار الحارة المحرقة، من عيدان الشجر الباردة الخضراء المورقة، ويقال: إنها والله أعلم شجرة المرح، وهي شجرة من أسرع الشجر عند القدح للنار إبراء، وهي أبدا في القحط والخصب خضراء، وهذه آية عظيمة من عظام الآيات بغير ما شك ولا امتراء، يقول الله سبحانه: {فإذا أنتم منه توقدون}، أي: من الشجر الأخضر.
  ثم ذكرهم بما هو أعظم في الحجة على قدرته عظما، وأفهمهم لمن ينتبه على ترك الغفلة فهما، في خلق السماوات والأرض، فقال: {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم}، أي: مثلهم في الصغر والقلة بالإضافة إلى السموات والأرض، أو يعيدهم؛ لأن المعاد مثل المبتدأ، وليس به؛ قال الله الصادق الكريم: {بلى وهو الخلاق العليم}، فذكرهم بالعظيم الجليل من قدرته، من خلق أرضه وسماواته، ونبههم على أنه إذا قدر على أن يخلق العظيم الكثير من ذلك، أو اقل منه في قدرته إحياء رميم عظام كل ميت هالك، لأن من خلق جميع بني آدم من أول الدنيا إلى آخرها - أقل من خلق الأرض