تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر 52 وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنات ونهر 54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55}

صفحة 72 - الجزء 3

  الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ٢٩ قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ٣٠}⁣[الأحقاف]؛ فهذا وما كان مثله في القرآن، من ذكر الكتاب والكتب - هو ما أوحى الله ونزل سبحانه، مما قص فيه من أخبار خلقه وما أراد، وترك ما لم يرد من أخبار العباد.

  ثم نقول من بعد شرحنا ما أراد الله في قوله: {وكل شيء فعلوه في الزبر}: إن هذه الزبر، وإن الاستنساخ، وإن الكتاب الذي يخرج لهم فيه أخبارهم، وما كان من أعمالهم - فهو كاللوح المحفوظ، واللوح والكتاب والزبر عند رب الأرباب - فهو: العلم المعلوم، المحيط بالملك المفهوم، الذي لا يزل شيء من الأشياء عنه، ولا يخرج - ولله الحمد - منه، وهو علم الله، العالم بنفسه، المتقدس عن شبه خلقه؛ وإنما يحتاج إلى كتاب المعلومات - من يكل علمه في بعض الحالات، فأما رب الأرباب فهو محيط بكل الأسباب؛ فكل ما عمل الخلق فهو في العلم مستطر، والمستطر فمعناه: معلوم مختبر، يوقفهم في يوم حسابهم عليه، فيعرفونه طرا لديه، فلا يضل عن أفهامهم، بقدرة الله شيء من أعمالهم، {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ٧ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ٨}⁣[الزلزلة]، وقال: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}⁣[الكهف: ٤٣]، وقال لقمان لابنه، وهو يعظه: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير}⁣[لقمان: ١٦]، وقال في ذلك رب العالمين: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}⁣[الأنبياء: ٤٧]؛ فأخبر: أنهم يلاقون كل ما كانوا يفعلون، وأن ذلك كله، صغيره وكبيره - مثبت في الزبر عنده، وكل هذه الأسباب - تدل على أن الزبر خلاف ما نزل من الكتاب.