قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  المنافقين الذين زعموا أنهم يشهدون إنك رسول الله كاذبون في قولهم، وما ذكروا من إقرارهم بك، وتصديقهم؛ فأخبره أن ضميرهم واعتقادهم خلاف ما يبدونه بألسنتهم، وأنهم في قولهم ينافقون، وفيما زعموا أنهم يشهدون به كاذبون.
  ثم قال سبحانه: {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون}: هذه الآية وما ذكر قبلها من نفاق المؤمنين، فيما شهدوا به من الشهادة التي كانوا في ادعائها مبطلين - نزلت وما ذكر في السورة كلها من ذكرهم، فنزلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله في غزوة عسفان، وفيما كان من كلام الكافر عبد الله بن أبي وأصحابه، وكان أصل ذلك أن خدم العسكر كانوا يتقدمون إذا بلغوا المناهل، فيستقون الماء لأصحابهم، فتقدموا عند رجوع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله من غزوته - كما كانوا يفعلون - إلى الماء، فاجتمع على الماء خدم المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، وخدم المؤمنين من المهاجرين والأنصار، فازدحموا عليه، وتطارحوا الكلام، حتى تضاربوا، فطرد خدم المؤمنين خدم المنافقين، فلما نزل العسكر وجد عبد الله بن أبي ابن سلول خدمه لم يستقوا بعد، فسألهم، فأخبروه بما كان من خدم المهاجرين، فقال: آويناهم وقويناهم، حتى قووا علينا؛ {والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}. ثم قال لأصحابه: لا تشاروا أصحاب محمد، ولا تبايعوهم، ولا ترشدوهم ولا تعينوهم، ولا تنفقوا عليهم؛ حتى ينفضوا. فلما أن بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الخبر هم بقتله، فأتاه ابن لعبد الله بن أبي ابن سلول، وكان مؤمنا مخلصا، فقال: يا رسول الله، إن كنت عزمت على قتله فمرني أنا، فآتيك برأسه؛ فوالذي بعثك بالحق نبيئا ما قولي هذا لشك فيك، ولا معارضة لك في شيء تراه، غير أني أخاف أن تأمر به غيري فيقتله، فيقع في قلبي خشونة على قاتله، فينقص ذلك علي من اسلامي. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: «بل نهبه لك، بل نهبه لك»، ثم وهبه له؛ فيروى أن العسكر لما