قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  من تقديرهم، الذي لم يشكروا الله عليه، ولم يحمدوه فيه. {وإن يقولوا تسمع لقولهم}، يريد تبارك وتعالى بقوله: {يقولوا} أي: يتكلموا بقول، وإن يتكلموا تسمع لقولهم، ومعنى {تسمع} فهو: تستمع، ومعنى {لقولهم} فهو: لكلامهم، يريد سبحانه بقوله: {تسمع} أي: تستمع لحلاوة ألسنتهم، وتعجبك فصاحة ألسنتهم، وحلاوة لفظهم، حتى تصغي إلى استماع كلامهم، تعجبا منك لجودة لغاتهم، وبيان أقوالهم؛ فهذا معنى: {تسمع}، لا على أنه يستمع كلامهم استماع تصديق، ولا قبول تحقيق؛ بل هو عالم بكذبهم، وإنما استماعه وإصغاؤه إلى قولهم تعجب منه لحسن كلامهم، وفصاحة ألسنتهم، الذي لم يشكروا الله عليه، كما تعجب من خلق أجسامهم؛ فهذا معنى {تسمع لقولهم}. ثم شبههم سبحانه بالخشب المسندة، فقال تبارك وتعالى: {كأنهم خشب مسندة}، يريد سبحانه: الذم لهم بذلك، يخبر سبحانه عن: عظم أجسامهم، وتمام خلقهم، وعظيم ما هم فيه مع ذلك من جهلهم، وقلة استعمالهم لما ركب فيهم من عقولهم؛ فلما أن لم يستعملوا عقولهم، ولم يتدبروا أمورهم، مع عظيم ما أنعم الله عليهم به، من الخلق الكامل السوي، الحسن النير البهي - شبههم بما لاعقل فيه؛ إذ لم تنفعهم عقولهم، فضرب لهم بالخشب مثلا، فشبه عظم أجسامهم في الطول والغلظ والجسم - بالخشب المسندة، خشب النخل الكبار؛ فأخبر نبيئه صلى الله عليه وآله: أن من عظم جسمه، وحسن خلقه، وقل عمله، وعدم استعمال عقله، وعزب فهمه - كان في المعنى كالخشبة العظيمة، التي تعجب من نظر اليها، طولها وعرضها، فهي لا تنفع نفسها في شيء من حالها؛ فكذلك هؤلاء المنافقون؛ إذ عظمت أجسامهم، وحسنت صورهم، وعدموا استعمال عقولهم، بالإعراض عن أمر ربهم، حتى نزل بهم خذلانه، وأحاط بهم انتقامه، ورانت المعاصي على قلوبهم، فصاروا في قلة النظر لأنفسهم، والاعتبار بآيات خالقهم - كالخشب المسندة التي لا تنفع أنفسها، ولا تعتبر بشيء من أمر خالقها، واستوى