قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  عندهم الحق والباطل، كما استوى عند الخشب المسندة؛ فكل لا يفهم رشده، ولا يميز أمره؛ فبعدا لأصحاب السعير.
  ثم أخبر سبحانه نبيئه صلى الله عليه وأهله بما يلقون من الفزع من الحق وأهله، وما يخشون من سطواته على عدوه، فقال سبحانه: {يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون}، معنى: {يحسبون كل صيحة عليهم} هو: يظنون أن كل دعوة دعوتها، أو وثبة وثبتها، ونهضة نهضتها أنها عليهم وإليهم، وأنك تريدهم بها وتقصدهم، وأنك لا تريد غيرهم، ولا تفعل ذلك إلا للبطش بهم. والصيحة فمعناها: الوثبة والنهضة، ودعاء الرعية، وجمع الرجال؛ فكانوا كلما تحرك رسول الله صلى الله عليه وآله لمواثبة عدو توهموا أنه يقصدهم، وأنه بذلك يريدهم دون عدو من غيرهم؛ وذلك لما في قلوبهم من الريبة والبلاء، والكفر بالله العلي الأعلى، والمعاداة لرسوله المصطفى، فأعلمه الله بذلك من أمرهم، وأطلعه بما أخبره به سبحانه عن سوء ضميرهم. ثم قال سبحانه: {هم العدو فاحذرهم}، ومعنى {هم العدو} أي: أولئك الذين يفعلون هذا هم أعداؤك حقا، وحربك دون غيرهم صدقا؛ والعدو فهو: المحارب والمبغض والمناصب، والمدغل المداخل لرسول الله صلى الله عليه وآله بنوع من أنواع الفساد، كائن من كان. معنى {فاحذرهم} أي: اتق شرهم ومكرهم، وكن على حذر، ولا تأمنهم في شيء من أمرك، ولا تثق بهم في سبب من أسبابك. {قاتلهم الله} معناها: لعنهم الله. {أنى يؤفكون}، معنى {أنى} هو: كيف يؤفكون، ومعنى {يؤفكون} فهو: يعرضون، ويتركون سبيل رشدهم، وقد يرون الحق في ذلك باديا لهم، ويؤفكون هاهنا فليست في معنى: يكذبون، وإنما هي في معنى: يعرضون، ويفرطون، ويتركون، ويقصرون، وليست من جنس قوله سبحانه: {ويل لكل أفاك أثيم}[الجاثية: ٧]؛ لأن الأفاك هاهنا هو: الكذاب، وإنما {يؤفكون} في هذه السورة في معنى قوله