قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  عصيانه، والتكذيب بآياته وقرآنه؛ فأخبر أن استغفاره لمن كان ضميره كذلك، وإمساكه عن الاستغفار لهم سواء؛ لأن الله سبحانه لا يغفر إلا لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فأما من لم يتب، وكان ضميره فاسدا فلن يغفر له سبحانه أبدا. ومعنى {أستغفرت لهم} فهو: سألت الله المغفرة لهم. {أم لم تستغفر لهم}، يقول: أم لم تسأل المغفرة لهم. {لن يغفر الله لهم}، يقول: لن يتوب الله عليهم، ولن يعفو عنهم، ولن يغفر أبدا لهم؛ ألا تسمع كيف يقول: {إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}، يقول: لا يسدد ولا يوفق، ولا يغفر ولا يرشد القوم الفاسقين؛ والفاسقون فهم: الفسقة في الدين، والفسق في الدين فهو: التكذيب بالحق المبين، والعنود عن شرائع الدين، وفيما قلنا به من ذلك ما يقول الله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين}[التوبة: ٨٠].
  ثم أخبر سبحانه بما يقولون ويلفظون، وبه في أنديتهم يأتمرون، فقال: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون}؛ فهذا قول عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين؛ فأخبر أن هؤلاء الذين لا يقبل استغفار الرسول لهم؛ لما قد علم الله من سوء ضميرهم - {الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله}، ومعنى {لا تنفقوا} يقول: لا تعينوا ولا تواسوا من عند رسول الله، من المهاجرين الواردين من آفاق الأرض عليه. {حتى ينفضوا}، يقول: حتى يذهبوا ويفترقوا إذا مسهم الضر، ونالهم البلاء. فأخبر سبحانه: أن له خزائن السموات والأرض، وخزائنها فمعناها: ملكها، وملك جميع ما فيها من الأرزاق، في جميع الآفاق، وأنه يرزق من يشاء بغير حساب، وأن لن يضيع المؤمنين إذا أخلصوا نياتهم، وصبروا على أمره في جميع أسبابهم، وأنه سيأتيهم برزقهم من حيث لا يحتسبون، ويأتيهم بمحبوبهم من حيث لا يرجون. {ولكن