قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  المنافقين لا يفقهون}: يخبر: أن المنافقين لا يعلمون ذلك ولا يوقنون به، ولا يتوهمون أن رزق أصحاب محمد # إلا منهم، لا من عند ربهم؛ بل الله سبحانه هو الرزاق للصنفين، المؤمنين والمنافقين؛ نعمة منه على من آمن به، وإكمالا للحجة على من كفر به؛ ألا تسمع كيف يحكي قولهم حين يقول:
  {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}؛ فهذا قول من عبد الله بن أبي وأصحابه - لعنهم الله -. معنى: {لئن رجعنا إلى المدينة}، يقولون: لئن قدمناها، وصرنا إليها. {ليخرجن الأعز منها الأذل}: كأنهم - لعنهم الله - يعرضون بأنهم هم الأعزون، وأن أصحاب رسول الله هم الأذلون، وقد كذبوا - عليهم لعنة الله - بل هم الأذلون، وأصحاب رسول الله هم الأعزون، ومعنى قولهم: {ليخرجن} فهو: ليطردن، ولينحين منها، وليخرجن عنها؛ ألا تسمع كيف قال الله في إكذابهم، ودفع قولهم، وإبطال لفظهم، وإثبات العزة له ولرسوله وللمؤمنين، فقال سبحانه: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، والعزة فهي: القوة والقدرة والبطش، ونفاذ الأمر والنهي. {ولكن المنافقين لا يعلمون}، معنى {ولكن} هو: معنى التكذيب لقولهم، وإثبات الكذب عليهم؛ وهي: كلمة تستعملها العرب في مثل هذا، ترد بها كذب الكاذب، وباطل المبطل، وتوجب الجهل عليه في قوله. {المنافقين} فهم: أهل الكذب والنفاق، وقول المحال والشقاق. {لا يعلمون} يقول: لا يفقهون، ولا يدرون ما يأتون ويذرون.
  ثم أمر سبحانه المؤمنين بما فيه نجاتهم، والبعد لهم من شبه غيرهم، ممن ينسب إلى النفاق والكفر، فقال: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}، فمعنى: {ياأيها} فهو: يا هؤلاء الذين آمنوا، فمعنى {آمنوا} فهو: صدقوا وأيقنوا.