قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  {لا تلهكم أموالكم}، يقول: لا تشغلكم. {أموالكم وأولادكم عن ذكر الله}، والأموال فهي: الأموال المعروفة، التي يستغنى بمعرفتها عن شرحها، من الذهب والفضة، والحرث والأنهار والأشجار، والثمار والأنعام، التي تشغل الفاسقين عن الله، وتلهي المنافقين عن ذكر الله، وتمنعهم محبتها والاشتغال بها عن طاعة الله، والأولاد فهم: البنون المحبوبون، المتزين بهم، المفتخر بكثرتهم، الذين يلهون أباهم بالمحبة لهم، مع الجدة في أموالهم عن ذكر الله سبحانه، إذا لم يكونوا مؤمنين؛ فأمر سبحانه المؤمنين بالحذر عن الاشتغال عن الله بالأموال والأولاد، كما يفعل من لا دين له من العباد. ومعنى: {عن ذكر الله} فهو: عن طاعة الله، والعمل بمرضاة الله؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}، ومعنى {أولئك} فهم: الذين يفعلون ذلك فهم الخاسرون.
  ثم أمرهم سبحانه بالإنفاق في سبيله، فقال: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين}، ومعنى: {وأنفقوا} يريد: أخرجوا واعطوا في سبيل الله مما رزقناكم. معنى {رزقناكم}: أعطيناكم ووهبناكم، وفتحنا من أرزاقنا عليكم. {من قبل أن يأتي}، معناها: من قبل أن يرد على أحدكم الموت، وينزل به، ويأخذه؛ والموت فهو: الفناء والزوال. و {أحدكم} فهو: واحد منكم بعد واحد، وواحد بعد واحد. {فيقول رب لولا أخرتني}، معناه فهو: يتكلم ويتمنى، ويطلب ويشاء. ومعنى: {رب لولا أخرتني} فهو: يا رب لو أخرتني إلى أجل قريب، فأدخل «لا» استحسانا لها في الكلام، وهو لا يريدها، وليس لها هنا أصل، وقد تقدم شرح مثل هذا في كتابنا. {أخرتني}، يقول: أبقيتني، ودفعت الموت عني. {إلى أجل قريب}، يريد: إلى أمد قريب، ووقت دان، تزيدنيه من هذا الوقت الذي نزل بي الموت فيه، فأكون من بعده مؤخرا، ويكون