قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  الموت عني مردودا أياما يسيرة. {فأصدق وأكن من الصالحين}، يقول: أخرج الآن - عند تصديقي لما عاينت من صدق وعدك ووعيدك - ما كنت ضانا به من مالي، وبخيلا به من موجودي، وأصدق به، وأخرج مفروض زكاته، وأنفقه في سبيلك، وأتقرب به إليك، حتى أكون بذلك عندك من الصالحين، وبما فعلت من ذلك من المؤمنين.
  ثم أخبر سبحانه: {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}، ومعنى قوله: {ولن} هو: إخبار بأنه لا يفعل، وهي في معنى: «لا»؛ فأراد: لا يؤخر الله نفسا، ومعنى {يؤخر} فهو: يملي بعد الفناء، ويعمر. {نفسا}، فهو: إنسانا وروحا وشخصا، حتى {إذا جاء}، ومعنى: {إذا جاء} فهو: حل ودنا، وأجلها فهو: موتها، وفناء مدتها، التي أجلت لها، وجعلت حية إلى بلوغها، وهو المدة التي جعلها الله لها عمرا، من الأيام والليالي الحاليات، والأوقات والساعات الفانيات، التي بانقضائها ينقضي الأجل، وبكمالها ينقطع الأمل. {والله خبير بما تعملون}، فمعنى {خبير} فهو: عليم محيط، حافظ غير ناس، لا يعزب عنه شيء من الأشياء، قاصيا كان في الأرض أو دانيا؛ فعلمه بكل شيء محيط. {بما تعملون}، يقول: بما يفعلون ويصنعون.
  قال يحي بن الحسين - رحمة الله عليه ورضوانه، وضاعف له أجره وإحسانه -: تالله ما رأيت أشبه بالذين ذكرهم الله، وقص خبرهم في هذه السورة من المنافقين، من أهل دهرنا، وسكان دارنا، هؤلاء الذين نحن معهم في نفاقهم، وقبيح أفعالهم، وسوء صنيعهم، وقلة شكرهم، وكثرة كفرهم، وميلهم الى الدنيا الغارة لمن كان قبلهم، المهلكة إلى من ركن إليها من نظرائهم؛ فنحن من نفاقهم في أمور كقطع الليل المظلم، الهائل الحندس المدلهم، لا همة له في الحق ولا يقين، ولا رغبة لهم في معرفة شرائع الدين، همج أتباع كل ناعق، أعوان وعضد كل منافق؛ إن قالوا كذبوا، وإن أوعدوا أخلفوا، وإن عاهدوا نقضوا، يبغون