سورة التغابن
  عليم}، معنى {ما أصاب من مصيبة} فهو: كل ما أصاب من مصيبة، ومعنى {أصاب} فهو: وقع ونزل، ومعنى {مصيبة} فهو: نازلة، من محنة أو نقمة، أو فعل غير ذلك، من فعل الله سبحانه، أو فعل غيره، من مصائب الدنيا. {إلا بإذن الله}، وهذا القول فيخرج على معنيين، ثم يتفرع كل معنى منهما على معنيين:
  فأما أحدهما فهو: مما كان من فعل الله، مما يكون الله المتولي له، من المصائب النازلة بالخلق، ويكون ذلك على معنيين: إما مصيبة أصابت من الله على طريق الجزاء والانتقام من أحد أعدائه، ذوي المعصية والاجترام. وإما مصيبة نزلت من الله على طريق المحنة بمن يمتحن من عباده الصالحين، وأوليائه الصائرين؛ فهذا معنى ما كان من الله، وهو يتفرع على هذين المعنيين. ومعنى قوله في هذا المعنى: {إلا بإذن الله} فهو: بحكم الله، وإرادته ومشيئته.
  والمعنى الآخر من المصائب فهو: ما ينزل بالخلق بعضهم من بعض، ثم هذا المعنى يتفرع على معنيين، فأحدهما: ما ينزل من المصائب بالمؤمنين من الفاسقين؛ فهذا لم ينزل إلا بعلم الله أنه سيكون، وبتخليته. ومعنى قول الله فيه: {إلا بإذن الله} فهو بتخلية الله وعلمه.
  والمعنى الثاني فهو: ما ينزل من المصائب بالفاسقين من المؤمنين، وعلى أيدي عباد الله الصالحين، من إقامة الحدود عليهم، وإظهار الحكم من القتل وما دونه. ومعنى قول الله في هذا المعنى: {إلا بإذن الله} فهو: بأمر الله وحكمه، وإذنه لأوليائه في أعدائه؛ فافهم ما فسرنا من معاني المصائب، وما شرحنا في معانيها كلها، ومخارجها من تفسير قول الله سبحانه: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله}؛ فقد ميزنا لك ذلك كله، وشرحناه وفسرناه وأثبتناه، وبينا معانيه، وشرحنا تأويله على أصله وفرعه، بما فيه كفاية ونور، لمن كان ذا معرفة باللغة والعلم.