سورة التغابن
  قوله: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}؛ فأخبر سبحانه: أن من خالف الدين، وتأدب بأدب غير رب العالمين، وكان عند ا لله من الفاسقين - كان عدوا بذلك الفعل لآبائه المؤمنين. وكذلك من كان من زوجات المؤمنين، على غير طريق الحق، ولا متعلقات بعروة الصدق - كن أعداء لأزواجهن المؤمنين. وكذلك فقد يخرج المعنى في العداوة من الرجال الفاسقين للأزواج المؤمنات، فتكون عداوة الفاسق من الأزواج للزوجة المؤمنة على إيمانها وتقواها، كما تكون العداوة من الزوجة المخالفة في الدين لزوجها؛ فالآية قد تحتمل المعنيين، وينتظم جميع الحالين؛ إذ كان لا يمتنع أن تكون الزوجة تقية مؤمنة، ويكون الزوج فاسقا فاجرا، فتكون العداوة منه لها على الدين، كما تكون العداوة من المخالفة من الزوجات للزوج المؤمن في الدين، كما تكون العداوة من الأولاد للوالدين كليهما، وللوالد والوالدة؛ فكلا الزوجين قد تكون منه العداوة، وحيث كان الإيمان والهدى من الزوج والزوجة، فالمخالف لمذهب الحق هو المذموم بالعداوة، المخصوص في كتاب الله باللائمة، والمؤمن فهو المحذر لعداوة الكافر، وليس الكافر بمحذر لعداوة المؤمن؛ لأن المؤمن لا يعادي مؤمنا، ولا يستجيز فيه إثما؛ فافهم ما قلنا به في قوله الله: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}؛ فدل بذكره بعضا دون بعض على أهل الخلاف والمعصية، كائنا من كان من بعض الأزواج، أو بعض الأولاد؛ ألا تسمع كيف يقول: {فاحذروهم}، فحذرهم أمرهم، وخوفهم كيدهم، ونبههم على اتقاء شرهم، ولن يحذر ولن ينبه إلا مؤمنا، ولن يحذر المؤمنين إلا من الفاسقين المخالفين، الذين لا يؤمن مكرهم ولا بوائقهم، فافهم رحمك الله ما قلنا، وميز بقلبك - تفهم ما شرحنا، وتقف على جميع ما ذكرنا. ثم قال: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا}؛ فحض سبحانه على العفو، والصفح والغفران لهم؛ لما بينهم من وشائج الخلطة، من الولادة والنكاح؛ وأراد بذلك: [أن] يأمر المؤمنين بالتعطف على من ذكر من