سورة التحريم
  فرعون ضلال فرعون، فقال: {ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله}؛ فمعنى: {قالت رب ابن لي} فهو: دعت وسألت ربها بأن يجعل لها في دار الآخرة عنده منزلا أفضل من منزل فرعون وأكرم. {بيتا في الجنة} فهو: منزلا في الجنة، والجنة فهي: جنة المأوى التي جعلها الله تبارك وتعالى للمؤمنين ثوابا. {ونجني من فرعون}، تقول: خلصني من فرعون، ومعنى «خلصني» فهو: أرحني منه، وانقلني منه إليك. {وعمله}، تقول: أرحني مما أرى من عمله، الذي لا أقدر أن أغيره عليه. {ونجني من القوم الظالمين}، معنى {نجني} فهو: تخلصني وتنجيني، وتنقذني من قرب القوم الظالمين، والقوم الظالمون فهم: الظالمون لأنفسهم، بعصيانهم لربهم، وهم قوم فرعون وأهل ملته، الساعون في طاعته.
  {ومريم ابنت عمران}؛ فأخبر أيضا أنها ضربت مثلا للمؤمنين، كما ضرب امرأة فرعون، ومريم ابنت عمران فهي: أم المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه. {التي أحصنت فرجها}، معنى {التي} فهو: هي، ومعنى {أحصنت} فهو: حفظت وصانت عن معاصي الله فرجها، ولم تصرفه إلى شيء مما يسخط ربها، وفرجها فهو: قبلها. {فنفخنا فيه}، يقول: جعلنا فيه، وجعلنا في رحمها، وصورنا. {من روحنا}، فمعنى {من روحنا} فهو: الروح الذي خلقنا فيه، هو عيسى بن مريم صلى الله عليه، وإنما نسبه إليه، فقال: {روحنا}؛ لأنه خلقه وفعله، مثل قوله: {واذكر عبدنا أيوب}، فقال: عبدنا؛ لأنه من فعله، كما قال: {من روحنا}؛ لأنه روح خلقه وصوره، فنسبه إليه؛ إذ هو فعله، كما نسب العبد اليه؛ إذ كان من خلقه وفعله، فقال: {فنفخنا فيه من روحنا}، يقول: جعلنا في عبدنا المسيح وخلقناه، وفطرناه وصورناه، من غير ذكر، كما خلقنا غيره في غير مريم & من الذكر، فكان ايجادنا في رحم مريم من غير ذكر، كإيجادنا غيره من عبادنا من الذكران، وكان ذلك شيئا سهلا، هينا حقيرا، {وصدقت}