تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير 10}

صفحة 180 - الجزء 3

  {فارجع البصر هل ترى من فطور}، معنى {فارجع البصر}، يقول: ارجع في النظر، وأدر وأقلب ما جعل لك من النظر، في خلق الله العزيز الأكبر. {هل ترى من فطور}، يقول: هل ترى من اختلاف أو تفاوت، مما جعل من الائتلاف؛ فلن تجد أبدا فطورا ولا اختلافا؛ بل ترى كل ما خلقنا على ما جعلناه، من التسوية والائتلاف والتركيب.

  {ثم ارجع البصر كرتين}، أي: مرتين، يقول: ارجع البصر، وأحد استعمال النظر {كرتين}، أي: مرتين؛ ليثبت لك أمرك، ويتبين لك غير ما قصد بصرك، وأنك إن فعلت ذلك، وأجدت التمييز، استعملت في ذلك العقل والفكر - لم تر في شيء مما خلقنا تفاوتا، فيما ركبناه عليه من تقديرنا. {ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}، معنى {ينقلب} يقول: يرجع إليك بعد تثبتك في النظر في مجعولاتنا، وتقليبك لبصرك في مخلوقاتنا - بصرك {خاسئا}، والخاسئ فهو: الذليل المتصاغر لنفسه، الموقن بصحة ما نظر إليه، ووقف من جليل أمر الله عليه. {وهو حسير}، والحسير: المنقطع الذي قد جهد فلم يفز، فانحسر عن طرح ما أراد بلوغه، وشاء تناوله ودركه.

  {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح}، قوله: {ولقد} فهو: إيجاب منه لذلك، يقول: {لقد زينا} فهو: جعلنا وحسنا {السماء الدنيا}، بما جعلنا فيها من المصابيح؛ والسماء الدنيا فهي: السماء القريبة منا، معنى الدنيا فهي: القريبة من الناس؛ لأن العرب تقول: «ذلك الأدنى»، تريد: الأقرب إليها، و «تلك الدار الدنيا»، تريد: الدار التي هي إلى المتكلم أقرب وأدنى؛ فهذا معنى سماء الدنيا، ولذلك سميت: دار الدنيا؛ لأنها أدنى إلى الخلق وأقرب؛ إذ كانوا فيها سكنوا أولا، فسميت: الأولى؛ لأنها أول الدارين المسكونتين من الآخرة والدنيا، وسميت: دنيا؛ لأنها أقرب الى أهلها وأدنى. والمصابيح فهي: النجوم التي تبرق وتلوح، وتضيء وتنير في مواضعها، وتوقد في أفلاكها. {وجعلناها