قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}
  عالم بأمرهما، واقف على حدودهما؛ فأخبر الله سبحانه نبيئه صلى الله عليه وعلى آله: أنه سيعلم، وأنهم سيعلمون في يوم الدين من يكون من المعذبين.
  ثم قال سبحانه: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، فأراد سبحانه، وجل جلاله: أنه أعلم بمن ضل عن سبيله، ومعنى {ضل} فهو: عدل وترك، و {سبيله} فهو: طريقه ودينه التي جعلها لخلقه دينا، وسبيلا ومتعبدا، يعبدونه ويثبتون عليه، لا يعدلون عن قصده، ولا يميلون عن محجته. ثم أخبر أنه {أعلم بالمهتدين}، والمهتدون فهم: الثابتون على سبيله الذي ارتضاه لخلقه.
  ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عن المخافة في ذاته لوعيد المكذبين، فسمى المخافة لهم: طاعة لمن خافهم، فقال سبحانه: {فلا تطع المكذبين ٨ ودوا لو تدهن فيدهنون ٩}، معنى: «لا تطع» هاهنا في هذا المكان، بأوضح الحق والبيان - فهو: لا تخف وعيدهم إياك، فتترك شيئا مما أمرنا لك به من الجهر بدعوتك، والإظهار لشرائع دينك، والإعلان بعبادة ربك؛ متاقاة لهم، ومخافة من شرهم، والمكذبون الذي نهى الله عن خوفهم فهم: أهل التكذيب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله، الذي جاء به عن الله خاصة.
  {ودوا لو تدهن فيدهنون}، يقول سبحانه: ودوا لو تدهن لهم في الاتقاء؛ لمخافتهم: إما رهبة، وإما مصانعة، فتترك شيئا مما أمرت بإظهاره فتخفيه، مخافة لهم ومحاذرة أن تبديه، فيدهنوا هم بأكثر من ذلك وأوفر، يقول: ودوا لو تصانعهم في شيء فيصانعونك في أكثر منه، وتداريهم في يسير فيداروك بأعظم من مداراتك لهم؛ ليوقفوك بذلك عن مباينتهم، ويحجروك بالمداراة والمداهنة على مكاشفتهم؛ فأخبر الله سبحانه: أنهم يودون بأجمعهم لو تركت شيئا من مباينتهم.
  ثم أمره: {ولا تطع كل حلاف مهين}، والطاعة هاهنا، التي نهى الله عنها