تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}

صفحة 200 - الجزء 3

  عنه كيدهم، وأمكنه منهم وأذلهم، ثم ذكر ما فتنهم به وبلاهم، من ستر أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عنهم، وما كان من إيجابه من النصر له عليهم، فلم يعلموا بشيء من أمره، ولم يحسبوا ما نزل بهم من ربه، فكانوا مقتدرين في أنفسهم على أخذه، وأخذ من كان معه، لما رأوا قلتهم، فدخل في قلوبهم الطمع فيه وفي أصحابه؛ اقتدارا وكفرا وطمعا فيما لن ينالوه، ولن يطيقوه ولن يبلغوه، فقال أبو جهل بن هشام اللعين، لمن معه من أوباش الكفرة الملاعين: لا تقتلوهم، وخذوهم فأوثقوهم واربطوهم، فتكون تلك فضيحة على محمد - صلى الله عليه وعلى آله - وعليهم، فيدخلون به مكة أسيرا. فذلك أفضح لهم وأبلى؛ فلم ينالوا ما أرادوا، ولم يبلغوا ما أملوا، وقضى الله أمرا كان مفعولا؛ فأنفذ وعده لنبيه صلى الله عليه وعلى آله إنفاذا، وحباه ونصره عليهم، فقتل من خيارهم سبعين، وأسر من أعداء الله سبعين، وغنمه الله غنائمهم، وفل حدهم؛ فولت فضلتهم خائبة حاسرة، منهزمة هاربة طائرة. فمثل الله سبحانه ما كان من اقتدارهم، وبغيهم على نبيئه - صلى الله عليه وعلى آله - وأصحابه - باقتدار أصحاب الجنة، الذي أقسموا ليصرمنها مصبحين؛ وهذه الجنة: فجنة من جنان الدنيا، كانت باليمن على اثني عشر ميلا من صنعاء، صارت بواد يقال له: احرثي، فلما دنا حصادها، وأينعت ثمارها، وحسنت حالها - أقسم أهلها ليصرمنها في غدهم مصبحين؛ اقتدارا على صرمها من الصارمين، فلم يستثنوا في قسمهم، فكان ما ذكر الله من أمرهم، من ذهاب جنتهم، حين طاف عليها طائف من ربهم، فهلك ما فيها من ثمرها، فأصبحت خواء من كل ما كان فيها؛ فذكر الله سبحانه: أن أبا جهل وأصحابه نزل بهم في اقتدارهم، على ما كان من جنتهم ومن ثمارهم، فنزل بكفرة قريش الفسقة المقتدرين، ما نزل بالاقتدار بأهل الجنة المقسمين؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ١٧ ولا يستثنون ١٨}؛ معنى