تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}

صفحة 207 - الجزء 3

  ظاهرة نيرة بأنهم كانوا من أهل السجود والإيمان، والطاعة لله والعرفان. {فلا يستطيعون}، يقول: لا يستطيعون أن يثبتوا بباطل حجة، ولا أن يقيموا بأنهم كانوا من المطيعين لله بينة؛ فهذا أحسن ما يقال به في قول الله سبحانه: {ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}.

  وقد قال بعض من يتعاطى تفسير القرآن: معنى هذا الذي ذكر الله من السجود في الفرقان - هو دعاء من الله لهم في يوم الدين، إلى أن يسجدوا لرب العالمين، وأنه يمنعهم في ذلك اليوم بقسو ويبس يجعله في ظهورهم من السجود، حتى لا يستطيعون سجودا.

  وهذا فيفسد عند من عقل من معنيين:

  أما أحدهما: فإن هذا لعب وعبث وسبب، من معنى التفكه و الطرب، أن يأمر آمر مأمورا بفعل شيء قد منعه من فعله، أو يصنع شيئا قد حال بينه وبين صنعه بمانع، لا يقدر معه عليه، ولا ينال معه الدخول فيه، فيقول له: «افعله»، وهو يعلم أنه لا يقدر على فعله؛ فهذا استهزاء وجور، وتعبث بالمأمور، والله سبحانه فبريء من ذلك كله، متعال عن كل شيء منه؛ تبارك وتعالى عما يقول الجاهلون، وينسب إليه الضالون.

  والمعنى الثاني الذي يفسد قولهم منه: أن يوم القيامة ليس هو يوم عمل ولا ابتلاء، وإنما هو يوم حساب وجزاء.

  فافهموا ما قلنا من تفسير هذه الآية المحكمة؛ فإنه معنى يضل جميع هذه الأمة عنه، إلا من هداه الله إليه، ودله بلطائف صنعه عليه.

  {خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة}، يقول: تعلوهم الذلة وتغشاهم؛ فالخاشعة من الأبصار هي: المكتئبة المرعوبة الفزعة، التي قد دخلها من الإيقان بهلاكها ما أذهل نفوسها، وأبلسها في كل أمورها، فخشعت للضعف والدمار