قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}
  منها الأجفان والأبصار. {ترهقهم ذلة}، يقول: تعلوهم الذلة وتغشاهم، فهم أذلاء في يوم الدين أخزياء، هالكون أردياء. {وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}، فمعنى {يدعون} هاهنا: خلاف {يدعون} ثم؛ لأن معنى {يدعون} الأولة هو: يدعون بالحجة، ويسألون إثباتها، و {يدعون} هاهنا: أخرى، فهو: إخبار عما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يدعوهم إليه، من السجود والإيمان به، والإيقان بأمره، والتسليم لحكمه في دار دنياهم، وفي حال صحتهم ورخائهم، إذ هم سالمون، ومعنى {سالمون} فهم: سالمون القوى والاستطاعة، قادرون بذلك لله على الطاعة، لم ترهقهم في ذلك الوقت من دنياهم، الذلة التي ترهقهم في دار جزائهم، فكانوا عند دعاء رسول الله # لهم إلى ذلك مستكبرين، وعن السجود لله صادين، ولوعده ووعيده مكذبين؛ فهذا معنى ما ذكر الله من أنهم كانوا سالمين.
  {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث}، معنى {ذرني} أي: خلني ودعني، وأوحدني لعقوبته وأفردني. {ومن يكذب بهذا الحديث}، فالتكذيب فهو: الإبطال والجحدان، والمكابرة للحق في كل بيان. {بهذا الحديث} فهو: بهذا القول الذي أنزلناه عليك، من الوعد والوعيد في الفرقان، وجعلناه إعذارا وإنذارا وحجة لكل إنسان.
  {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، معنى {سنستدرجهم} فهو: سنأتيهم ونأخذهم. {من حيث لا يعلمون} فهو: من حيث لا يظنون أنا نأتيهم منه ولا يدرون، حتى يواقعهم أمرنا وتغشاهم نقمتنا وهم آمنون، فيعانون من ذلك ما كانوا به يكذبون.
  {وأملي لهم إن كيدي متين}، معنى {أملي لهم} فهو: أؤخرهم ولا أعاجلهم، وأتركهم وقتا ولا أغافصهم، ثم إلي مرجعهم. {إن كيدي متين}، فالكيد هو: الأخذ لهم، والبطش بهم، والانتقام منهم. {متين} فهو: قوي رصين.