قوله تعالى: {فهو في عيشة راضية 21}
  حسابيه ٢٦}، يقول: ياليتني كنت ميتا على حالتي، وباليا في الأرض فانيا، لا أدري ما الحساب، ولا أرى ما كنت أوعده من العقاب، وأكون ترابا في القبر، ولم أعاين ما عاينت من شدة الأمر؛ ألا ترى كيف يقول: {ياليتها كانت القاضية ٢٧}، والقاضية التي تمناها الفاسق في ذلك اليوم فهي: القاضية التي عرف في الدنيا عند موته، فقضت عليه فأماتته، وإلى القبر صيرته، فيتمنى أن قاضية الموت تنزل به في يوم الدين، فتريحه من العذاب المهين، فيكون في الآخرة التي تبقى ميتا فانيا، كما كان في الدنيا.
  ثم قال - خزي وردي، وقد أخزي لعمري إذ غوي -: {ما أغنى عني ماليه}، يقول: لم يغن عني ما كنت أجمع من المال، ومعنى {أغنى عني} فهو: يدفع عني شيئا مما نالني؛ فأقر في يوم الدين، بأن الذي كان فيه في الدنيا غرور وتزيين، وأنه اليوم قد صار إلى الحق اليقين.
  {هلك عني سلطانيه}، يقول: ضل عني تجبري في الدنيا وتسلطني، ومعنى «ضل عني» أي: ذهب فلم ينفعني، وبقيت اليوم خاليا فردا وحدي، ومن سلطان الحجة فردا، يقول: ضلت حجتي؛ إذ لم تكن لي حجة، ولا قول يقبل مني في الآخرة؛ وقد روي وقيل: إن ذلك أبو جهل بن هشام لعنه الله.
  ثم أخبر سبحانه: بما يكون من أمره لحملة عرشه فيه، وفي إيصال الوعيد إليه، فقال: {خذوه فغلوه ٣٠ ثم الجحيم صلوه ٣١ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ٣٢}، معنى {خذوه} فهو: أمر من الله للزبانية بأخذه، والأخذ له فهو: البطش به، والقبض عليه، {فغلوه} معناها: أوثقوا يده إلى رقبته. {ثم الجحيم صلوه}، فالجحيم هي: النار، و {صلوه} فمعناها: أصلوه، ومعنى «أصلوه» فهو: حرقوه وأنضجوه، وعذبوه وأحرقوه. {ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}، والسلسلة فهي: سلسلة من حديد، {ذرعها} يعني: طولها، {سبعون ذراعا} فهو: الذراع المعروف، بالطول