قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا 19 إذا مسه الشر جزوعا 20 وإذا مسه الخير منوعا 21 إلا المصلين 22 الذين هم على صلاتهم دائمون 23}
  الله المطهرون؛ والروح فهو: جبريل الأمين، عليه صلوات رب العالمين، ومعنى {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ٤}، يقول: الملائكة تعرج في يوم واحد، وتسير وتقطع بقدرة الله - ما لو كان غيرها من الناس لم تسر ما سارته الملائكة في يوم واحد: في خمسين ألف سنة؛ فأخبر سبحانه: بعظيم قدرته في ذلك، وجليل فعله فيما جعل، من سرعة سير الملائكة وقطعها، بعروجها لما تقطع من معارجها، وتقضيه في سيرها في مسالكها؛ دلالة منه بذلك لخلقه عليه، ودعاء منه لهم بما أظهر في ذلك إليه.
  ثم قال سبحانه لنبيئه صلى الله عليه وآله: {فاصبر صبرا جميلا ٥ إنهم يرونه بعيدا ٦ ونراه قريبا ٧}، معنى {اصبر} أي: انتظر، ولا تجزع واحتمل. {صبرا جميلا ٥}، يقول: احتمالا جميلا، ومعنى «جميلا» أي: دائما، وثيقا جيدا، لا يدخله إفك ولا هلع، ولا خور ولا جزع. {إنهم يرونه بعيدا ٦}، معنى {يرونه بعيدا} أي: يرونه باطلا، ولا يوقنون به إيقانا، فلما لم يوقنوا به ولم يؤمنوا - جاز أن يقول {يرونه بعيدا}؛ لأن كل مالم يوقن به الموقن فقد يراه بعيدا؛ وذلك أن العرب تقول لما لم يصح عندها، وكان غير آت ولا ممكن في عقولها: «هذا أمر بعيد منا»، من ذلك ما تقول العرب: «زعم فلان أنه يقتل فلانا، وهذا أمر بعيد منه»، تريد: أن هذا شيء لا يقدر عليه، ولا يكون منه أبدا إليه؛ فعلى هذا المعنى يخرج قول الله تبارك وتعالى: {إنهم يرونه بعيدا ٦}، يقول سبحانه: يرون ما يعدهم، من وقوع هذا العذاب بهم - محالا لا يصح في عقولهم عندهم، ولا يقع أبدا بهم. {ونراه قريبا ٦}، يقول ø: نعلم أنه حق آت، والعرب تسمي كلما أيقنت بمجيئه: قريبا؛ تقول: «ما أقرب الموت»، وتقول: «ما أقرب فرج الله»؛ إيقانا بمجيئه، فقرنته بإيقانها بكينونته، وتقول العرب: «ما أقرب الليل»، فقرنته حين علمت أنه آت لا محالة.
  ثم ذكر سبحانه الوقت الذي يكون فيه العذاب للكافرين، وتنكيل أهل