قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا 19 إذا مسه الشر جزوعا 20 وإذا مسه الخير منوعا 21 إلا المصلين 22 الذين هم على صلاتهم دائمون 23}
  من عذاب يوم الدين بهؤلاء المذكورين، و {بنيه} فهم: ولده الذكور، {وصاحبته} فهي: زوجته الحبيبة إليه، التي كان يحبها ويفديها في الدنيا بنفسه، ويحامي دونها بماله ومهجته. {وأخيه} فهو: ابن أمه وأبيه. {وفصيلته التي تؤويه ١٣} فهي: والدته ورابته التي تربيه، وتطعمه وتسقيه لبنها في صغره، حتى فصلته عن ثديها عند كبره. {وتؤويه} فمعناها: تحضنه وتربيه. {ومن في الأرض جميعا}، يقول: أهل الأرض كلهم لو كانوا له وفي يده عبيدا وخولا، وأقرباء ونسبا. {ثم ينجيه}، يقول: يود أنه فدى بكل ما ذكرنا، وجميع ما فسرنا، نفسه من العذاب المهين، ونجا، وجعله مكانه في يوم الدين، فداء يفدي بهم نفسه، ووقاء يقي بهم من العذاب بدنه. {ثم ينجيه}، يقول: ثم يقبل منه الله ذلك ويخليه؛ فأخبر الله سبحانه: أن المجرم يود أنه نجا، وسلم وافتدى، بكل ما ذكر الله وسمى.
  ثم قال سبحانه: {كلا إنها لظى ١٥ نزاعة للشوى ١٦}، معنى {كلا} فهو: نفي أن يكون يقبل من المجرم فداء، أو يكون له يوم القيامة من العذاب نجا، يقول: لا نجاة له ولو افتدى. وقوله: {لظى} فهي: جهنم، وإنما سميت لظى لتلظيها، والتلظي فهو: التلهب والتقلب، وأكل ما يقع فيها بأسرع سرعة. {نزاعة للشوى}، يقول: أكالة للشوى، محرقة له ولغيره من بدن صاحبه، والشوى فهو: الجلد، وقد قيل: غير الجلد؛ وأحسن ما سمعناه فيه: أنه الجلد.
  {تدعوا من أدبر وتولى ١٧}، يريد بـ {تدعوا} أي: تأخذ من أدبر عن الله سبحانه؛ وإنما مثل الله أخذها بالدعاء منها لمن نأخذ؛ لأن كل من حاز شيئا فقد استدعاه إليه، ومن استدعى شيئا إليه فقد دعاه وآواه، وصار منه وإليه، فقال: {تدعوا من أدبر وتولى ١٧}: تؤويه، وتحرقه وتخزيه، والمدبر فهو: المدبر عن الله وعن حقه، المتعلق بما هو فيه من باطله وفسقه. {وتولى ١٧} فهو: عدل عن الحق وأبى.