قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا 19 إذا مسه الشر جزوعا 20 وإذا مسه الخير منوعا 21 إلا المصلين 22 الذين هم على صلاتهم دائمون 23}
  الألف وهو يريدها؛ ورب المشارق فهو: الله رب العالمين، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، والمشارق فهو: مشارق الفلك المحيط بالأرض، وكذلك المغارب فهي: مغارب الفلك المحيط بالأرض. {إنا لقادرون ٤٠}، يقول: إنا لمقتدرون مستطيعون، على أن نذهب هؤلاء الذين يكذبون، ونأتي بخلق خيرا منهم يصدقون بقولنا، ويؤمنون بغيبنا؛ فهذا معنى قوله: {نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ٤١}، يخبر سبحانه: أنه لا يسبق، ومعنى «يسبق»: فهو يفات، وعنه يهرب حتى يسبق بهربه الهارب الذي يهرب؛ فأخبر سبحانه: أنه ليس منه مهرب، ولا للخلق كلهم عنه مذهب، وأنهم كلهم في قبضته؛ فأخبر سبحانه: أن أحدا لن يسبقه، يريد «يسبقه» أي: يفوته ويذهب عنه، حتى يعجزه، فلا يناله أمره، ولا يدركه حكمه؛ وحاش لله أن يكون كذلك، أو على شيء من ذلك؛ بل خلقه كلهم في يده، لا يفوته منهم فائت، ولا يسبقه منهم سابق، وهو سبحانه لكلهم مدرك لاحق.
  ثم قال سبحانه لنبيئه صلى الله عليه وعلى آله: {فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ٤٢}، معنى {ذرهم} أي: دعهم وأمهلهم، ومعنى {يخوضوا} فهو: يكذبوا ويتحيروا، ويترددوا في الضلال، بما يصفون من الخوض مع الجهال. {ويلعبوا} أي فهو: ليغتروا ويلهوا؛ فشبه الله تبارك وتعالى ما هم فيه من الباطل الذي لا أصل له: باللعب الذي لا ثبات له، واللعب فهو: ما لم يكن على حقيقة، ولم يأت منه شيء على وثيقة. {حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ٤٢} فهو: يوم القيامة الذي فيه يجازون؛ ألا تسمع كيف بينه سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه، فقال: {يوم يخرجون من الأجداث سراعا}، والأجداث فهي: القبور. {سراعا} فهو: سراعا مبتدرين، غير مبطئين ولا متلبثين. {كأنهم إلى نصب يوفضون ٤٣}، والنصب فهو: شيء من الشعر تقوله العرب، تطرب فيه أصواتها، وترفع به كلامها، وتمد حروفه،