قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}
  ثم أخبر ø بما أعد لهم من بعد ذلك في الآخرة التي تبقى، فقال: {إن لدينا أنكالا وجحيما ١٢}، ومعنى {لدينا} فهو: عندنا، ومعنى {أنكالا} فهو: التنكيل، بالأغلال والعذاب الوبيل، {وجحيما} فهي: النار، ومعنى «جحيم» فهي: المجحمة لمن قاربها، ومعنى «مجحمة» فهي: الغالبة المهلكة؛ من ذلك ما تقول العرب: «أجحم فلان من فلان»، أي: هرب منه، وعجز عنه، وتقول العرب: «أجحم فلانا» إذا غلبه وقهره؛ فسمى الله سبحانه النار: جحيما، يلقى أهلها منها من الإجحام لهم، والأمر العظيم النازل بهم.
  {وطعاما ذا غصة} فهو: الزقوم، الذي ذكر الله أمره، والغصة فهي: الواقفة في الحلق، يقول: لا ينزل ولا يخرج؛ بل يغص به صاحبه، ويقف في حلق آكله، وهو أشد ما يكون على الآكلين، إذا وقف طعامهم في حلوقهم، فلا ينحدر مستسفلا نازلا، ولا يرتفع صعدا خارجا، بل يكون غصة في الحلق ثابتة، وبلية فيه نابتة. {وعذابا أليما ١٣} يقول: عذابا شديدا، دائما عتيدا.
  ثم قال سبحانه: {يوم ترجف الأرض والجبال}، وذلك اليوم فهو: يوم القيامة، فأخبر سبحانه: أن هذا الطعام والعذاب يكون بأهله في يوم ترجف الأرض والجبال، وذلك اليوم فهو: يوم القيامة، وحين الحسرة والندامة، ورجوف الأرض والجبال فهو: زعزعتها وحركتها؛ لما يريد الله سبحانه من إهلاكهما بذهابهما. {وكانت الجبال كثيبا مهيلا ١٤}، يقول: صارت الجبال بعد ما هي عليه من انعقادها، ويبس صخرها وحجارتها - كثيبا مهيلا، والكثيب فهو: الرمل، والمهيل فهو: المنهال الذي لا يمسك بعضه بعضا؛ فذكر سبحانه: أن الجبال تصير بعد ما هي عليه منهالا رملا، ثم تصير من بعد ذلك كالعهن المنفوش فناء وذهابا.
  ثم احتج على هؤلاء المكذبين، أصحاب القصة والعذاب الأليم - بما أرسل إليهم من الرسل المكرمين، فقال: {إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ١٥}، يريد سبحانه: أنا أرسلنا إليكم رسولا؛ لتؤمنوا