قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة 38}
  يقول سبحانه: يريد كل رجل منهم {أن يؤتى صحفا منشرة}، و {يؤتى} فهو: ينزل عليه ويعطى، والصحف فهي: الكتب المنشرة، والكتب المنشرة فهي: المثبتة المبينة، التي تنشر وتقرأ، ويعرف ما فيها ويتلى؛ فأخبر سبحانه: أن جميع الفاسقين المكذبين إنما كذبوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله حسدا منهم له على ما آتاه ربه، فكلهم يطلب ويتمنى أن يكون نبيا مرسلا؛ وليس ذلك لهم، ولا كرامة؛ بل لله الأمر والقدرة، والعظمة والعزة، يعطي من يشاء نعمته، ويؤتيه كرامته؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {كلا بل لا يخافون الآخرة ٥٣}، يريد بـ {كلا}: ليس تخافون؛ فأخبر سبحانه: أنهم لم يكونوا يخافون في الدنيا معادا ولا آخرة؛ والآخرة هاهنا فهو: عذابها ونكالها.
  ثم قال: {كلا إنه تذكرة ٥٤}، يقول: ليس هو بباطل؛ ولكنه حق تذكرة، فالتذكرة هي: التنبيه والتبصرة.
  ثم قال: {فمن شاء ذكره ٥٥}، يريد {من شاء} أي: من أراد، ومعنى {ذكره} يقول: تذكره فخافه، وخشيه فحذره.
  {وما يذكرون إلا أن يشاء الله}، يقول سبحانه: إنكم لم تكونوا تقدرون على التذكرة والتفكرة، والتمييز بين الحق والباطل - لو أن الله لم يشأ أن يجعل فيكم استطاعة تنالون بها الفكرة والتمييز، وعقولا تصلون بها إلى التذكرة؛ ولكنه شاء ذلك لكم، فركبه وجعله بمنه فيكم. {هو أهل التقوى وأهل المغفرة ٥٤} معنى {أهل} أي: هو صاحب التقوى، ومعنى صاحب التقوى فهو: وليها، والحقيق بها، والمستحق لها، والتقوى فهي: المخافة من الخلق والاتقاء، و {المغفرة} فهي: العيادة منه، والرحمة على عباده، بالعفو بعد الغضب؛ وذلك ربنا الرحمن، أهل البر والتقوى، والمغفرة والإحسان.