قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب 7}
  من قبله محكمة، وغناه باستحالة الحاجة عليه؛ فإذا خاطبنا بخطاب لا يفهم - كان كمخاطبتنا للعربي بالزنجية، ولا ترجمان، فإن ذلك يكون عبثا؛ لأنه لا يخلو إما أن يريد منه معرفة ما تكلم به أو لا يريد، فإن لم يرد كان الخطاب عبثا، وإن أردنا كان الخطاب قبيحا؛ لأنا نكلفه علم ما لا سبيل له إلى علمه، وتكليف ما لا يعلم قبيح، يعلم قبحه كل عاقل، فإذا تقررت هذه الأصول - ثبت أنه لا يجوز أن يكون في كتاب الله سبحانه ما لا يفهم معناه، فإذا كلفنا معرفة معناه فلا بد من طريق إلى ذلك، وإلا قبح.
  قلنا: «والطريق إلى معرفة معناه: العقل، والنقل، واللغة»، فاللغة العربية هي: لساننا وميداننا، والنقل هو: ما جاءنا عن حبيبنا ÷، وعن سلفنا الصالح من ذريته سلام الله عليهم، والعقل هو: الذي يلزم به التكليف من قبله تعالى، وتقوم به الحجة على العبد، وهو: علوم من اجتمعت فيه فهو عاقل، ومن عدمها أو بعضها فهو ناقص العقل وذاهبه، وموضع تفصيلها: كتب علم الكلام، (وما به(١)) آية من كتاب الله ø، إلا ونحن نعلم معناها ولفظها، ووجه حكمة الله سبحانه في الخطاب بها، ومراد الله سبحانه منا فيها، وعينها وحقيقتها، ونحن الراسخون في العلم بما علمنا، وولاة الأمر بما حكم لنا، وورثة الكتاب عن أبينا وجدنا، فإذا قال لنا تعالى: {يداه مبسوطتان}[المائدة: ٦٤] علمنا بدلالة العقل: أن اليد التي هي الجارحة مستحيلة عليه؛ لأنه ليس بجسم؛ لأن الأجسام محدثة، وهو تعالى قديم؛ لأنه لو كان محدثا لاحتاج إلى محدث، وذلك محال، وقد ثبت أن اليد في اللغة تحمل على: الجارحة المخصوصة، وتحمل على: القدرة، وتحمل على: النعمة، يقول قائل أهل اللغة: «لفلان على بني فلان يد»، أي: قدرة، و «ما له عليهم يد»، «ما له عليهم قدرة»، و «له عليهم يد»، أي: نعمة، وشواهد ذلك
(١) «بِهْ» لهجَةٌ يمنية، اسمُ فعلٍ بمعنى: يُوجَدُ. أي: ما توجَدُ ... إلخ.