تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة المرسلات

صفحة 332 - الجزء 3

  ثم ذكر - سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه - أمر المؤمنين، فقال: {إن المتقين في ظلال وعيون ٤١ وفواكه مما يشتهون ٤٢}، الظلال فهو: الظلال الممدود، الذي قال الله سبحانه: {في ظل ممدود ٣٠ وماء مسكوب ٣١}⁣[الواقعة]، وهي: ظلال الأشجار والقصور، وما ظللهم الله به من غير ذلك من الأمور، والعيون فهي: المياه الجارية، الكثيرة المتفجرة، والفواكه فهي: ما يعرف من الفواكه الطيبات، من ثمار الأشجار المثمرات، وصنوف الأثمار المتصنفات، المتشابهات من الطيبات وغير المتشابهات، التي تشتهيها أنفسهم، وتدعوهم إليها شهواتهم. فهي موجودة غير مقطوعة، مبذولة غير ممنوعة؛ عطاء من الله غير مجذوذ على صالح أفعالهم، وما قدموا في حياتهم، من مرضيات أعمالهم؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون}، يقول سبحانه: تنعموا بالمآكل الطيبة، المشارب اللذيذة. {هنيئا} أي: جزاء بفعلكم، فمعنى {هنيئا} فهو: مريئا طيبا، لا آفة فيه ولا داء، ولا تخافون منه شيئا من الأذى، كما كنتم تخافون في مآكل الدنيا؛ فهذا معنى قول الله: {هنيئا}.

  ثم قال: {إنا كذلك نجزي المحسنين ٤٤}، يخبر: أن هذا فعله وحكمه في المحسنين، والمحسنون فمعناها: المحسنون إلى أنفسهم بما عملوا من الطاعات، التي استوجبوا بها الثواب والإحسان، من الواحد ذي الجلال والسلطان، فكانوا بذلك محسنين إلى أنفسهم، مطيعين لربهم، فاستوجبوا بطاعة الرحمن ما صاروا إليه، من الفوز والنعيم، والخبر الكريم، والثواب العام المقيم.

  ثم كرر ذم المكذبين احتجاجا عليهم، وتوقيفا على جهلهم وتعنتهم، وقطعا بذلك لحجتهم، فقال: {ويل يومئذ للمكذبين ٤٥ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ٤٦}، يقول سبحانه: تمتعوا في دنياكم، بأكلكم وتافه لذاتكم؛ فإن ذلك قليل منقطع، لا يتصل بنعيم الآخرة، ولا تذوقون بعد خروجكم من الدنيا نعمة فاخرة؛ لأنكم مجرمون، والمجرم لا آخرة له، كما تكون الآخرة مع