سورة النبأ
  تختلف أقاويلهم في التكذيب به، وتصنيف معاني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فيه، فكانت طائفة تقول: إن إنباء رسول الله صلى الله عليه وآله لهم بهذا القول سحر. وطائفة تقول: إن إنباءه لهم به شعر وظنون. وطائفة تقول: إن ذلك كله منه كهانة وجنون. فهذا معنى اختلافهم في النبإ؛ والنبأ فهو: الإنباء، والإنباء فهو: الإخبار والتبيين، والإعلام للعالمين بما لا يعلمون.
  ولا يتوهمن أحد ذو فهم ونظر، وتمييز وبصر: أن اختلافهم فيما كان ينبئهم به صلى الله عليه وعلى آله من ذلك، ويقصه عليهم ويقرؤه - اختلاف يكون بعضه إقرارا بما كان يقول، وبعضه إنكارا لهذا القول؛ بل كلهم كان منكرا له، مكذبا غير مقر، وإنما معنى الاختلاف منهم هو: اختلافهم في تصنيف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، والجحدان لما جاء به صلى الله عليه وآله من عند الله.
  {كلا سيعلمون ٤}، معنى {كلا}: معنى الإنكار لقولهم الذي قالوا، وإنكار لما هم فيه من تصنيف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لأن {كلا} هي: كلمة جواب، رد على متكلم بغير صواب؛ إنكارا لقوله، وردا عليه في كذبه، ودفعا لما يأتي به من جهله، تستعملها العرب في ذلك من محاورتها، وتلفظ بها في لغاتها؛ فقال: كلا، ما جاءوا بحق، ولا تكلموا بصدق. ثم ابتدأ الكلام من بعدها: بالوعيد لهم على كذبهم، وجحدتهم للنبإ العظيم الذي أنبأهم به رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته من بعثهم وحشرهم، فقال: {سيعلمون} أي: سيعلمون صدق ذلك وحقه، ويعاينون ما ذكر من كينونة البعث والحساب، وما أوعدوا بالنكال والعقاب.
  ثم رجع سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه، في إبطال قولهم، والتكذيب لهم في جحدانهم للنبإ العظيم، وإبطالهم الوعد والوعيد الجسيم، فقال: {ثم كلا}، فكرر الجواب لهم؛ لنفي الصدق عنهم، وإيجاب الباطل عليهم، والتكذيب لهم