تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة النبأ

صفحة 339 - الجزء 3

  في قولهم، فقال: {ثم كلا}، أي: باطل ما أتوا به وزور، ومحال ذلك وفجور. ثم رجع إلى الوعيد، فقال: {سيعلمون ٥} غب فعلهم، ويجدون ما أوجبنا من الوعيد عليهم في تكذيبهم وشكهم، ودفعهم ما ذكرنا لهم من نشزهم، وشرحناه على لسان نبينا من الأنباء العظيمة، والأسباب الجليلة، التي لا بد من وقوعها، وكينونتها ووضوحها، من عجائب أفعالها في خلقنا، عند نفخنا في صورهم، وإخراجنا لهم من أجداثهم، وإيصالنا لهم ما حكمنا به لهم وعليهم، من كريم الثواب، وأليم شديد العقاب.

  ثم قال سبحانه: {ألم نجعل الأرض مهادا ٦}، والمهاد فهو: القرار الممهد، والممهد فهو: المسوى المجرد، الذي يضطجع الناس عليه، ويأوون فيه، وينشأون عليه؛ من ذلك ما تقول العرب لمضطجع الصبي، وموضعه ومأواه: مهد الصبي، وهو شيء يسوى له من الخشب، يغذى فيه، ويجعل عليه يكفته ويؤويه، ويشده ويقويه، ويستريح إليه، فجعل ø الأرض للخلق مهادا يأوون إليها، ويسكنون فيها، فلما أن كانت الأرض لهم مأوى ومكفتا، يمهدون فيها، ويسكنون عليها - سميت مهادا؛ إذ كانت لهم مأوى، كما سمي موضع الصبي مهادا؛ إذ كان له مضجعا ومأوى.

  ثم قال: {والجبال أوتادا ٧}، فأخبر ø: أن الجبال أوتاد للأرض، تمنعها من الميدان بهم، وتوقفها عن التزعزع بمن فيها منهم، كما قال سبحانه: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}⁣[النحل: ١٥، لقمان: ١٠]، يقول: أن تزول أو تزعزع بهم؛ فشبه سبحانه الجبال في الأرض؛ للزومها لها، ومنعها بها من الميدان بأهلها - بالأوتاد اللازمة لأطناب البيوت، المقيمة لها على الثبوت، اللازمة المانعة لها عن الزوال؛ فجعل سبحانه ما جعل من الجبال للأرض أوتادا.

  ثم قال سبحانه: {وخلقناكم أزواجا ٨}، فأخبر بعجيب صنعه، وما أظهر من فطرته، وما أرى الخلق من محكم تقديره، في خلق المخلوقين أزواجا،