سورة النبأ
  عليه، حين قال: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ٢٩}[الحجر، ص: ٧٢]، قال: {نفخت فيه من روحي}، يقول: جعلت فيه وركبت، وسويت وخلقت فيه روحا، به تمامه، وبكينونته فيه قوامه؛ ثم نسبه إليه؛ لأنه خلقه وفعله، كما قال: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ٥٣}[الزمر]، فنسبهم إليه؛ إذ هم فطرته وخلقه، وفعله وأمره؛ قال الله سبحانه في مريم &: {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا}[التحريم: ١٢]، يريد: جعلنا في الرحم ما جعلنا من خلقنا، وخلقنا فيه من غير ذكر ما خلقنا من عبدنا، الذي جعلناه آية لعبادنا، ثم نفخنا في ذلك الخلق روحا، و {نفخنا} فهو: ركبنا وجعلنا، وأدخلنا وثبتنا فيه روحا، به كمال ذلك الخلق المخلوق، وقوام ذلك العبد المجعول. ثم قال سبحانه: {فتأتون أفواجا ١٨}، والأفواج فهي: الجماعات الكثيرات، الآتيات معا معا، زمرا زمرا، يقول: تأتون إلى الميقات الذي وقت لكم، والموضع المحشر، الذي جعل لكم محشرا، وموضعا للحساب وموقفا.
  ثم قال: {وفتحت السماء فكانت أبوابا ١٩ وسيرت الجبال فكانت سرابا ٢٠}، يخبر سبحانه عن: تقطع السماء وتفتحها، وتقلعها وتمزقها، حتى تكون بعد جودة الانحباك قطعا، وبعد الاستواء أبوابا مفتحة ومزقا، حتى تكون كالمهل السائل، بعد العظم والتجسيم الهائل.
  ومعنى قوله: {وسيرت الجبال فكانت سرابا ٢٠}، وتسييرها فهو: نسفها وإذهابها، والنسف فهو: القلع والإهلاك، والإزالة عما هناك، حتى تعود أمكنتها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، والقاع الصفصف فهو: الموضع الأملس، المرت الخالي من كل شيء، الذي لا يستتر منه جانب عن جانب، ولا يتوارى فيه صاحب عن صاحب، والعوج فهو: المتفاوت في الارتفاع والانخفاض، والأمت فهو: الاختلاف.