تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة النبأ

صفحة 346 - الجزء 3

  ثم قال سبحانه: {إن جهنم كانت مرصادا ٢١}، والمرصاد فهو: المرصد، فأراد بقوله: {مرصادا} أي: أنهم يرصدون لجهنم، وأنها لهم مرصدا، أي: مكانا وموضعا لا معدل لهم عنه، ولا منحرف لهم منه، ولا مصرف ولا مراغ ولا ملاذ سواها، ولا مساغ غيرها؛ وفي ذلك ما تقول العرب: «مرصد فلان مكان كذا وكذا»، تريد: مكانه الذي يرصد فيه. ومعنى «يرصد» هو: ينتظر فيه، حتى يأتيه ويصير إليه، فيصادفه فيه راصده، ويجده فيه طالبه، وهو: المكان الذي لا مراغ له عنه، ولا يوجد إلا فيه؛ فأراد سبحانه بقوله: {كانت مرصادا} أي: كانت مكانا وموئلا، لا بد للطاغين منه، ولا منصرف لهم عنه؛ ألا تسمع كيف بين سبحانه بقوله: {للطاغين مئابا ٢٢} أي: للعاتين الجبارين المكذبين معادا وموئلا، ومكانا ومقرا يأوون فيه، ويصيرون إليه، والأوب فهو: الرجوع، والمآب فهو: المكان الذي يصار فيه، ويرجع إليه.

  {لابثين فيها أحقابا ٢٣}، فاللابث هو: المقيم، ومعنى {لابثين} فهو: مقيمون، الأحقاب فهو: الدهور الدائمة؛ وقد قيل: إن واحد الأحقاب حقب، وإن الحقب ثمانون سنة. فإن يكن ذلك كذلك فهي: أحقاب متوالية، متواترة متصلة، لا آخر لها ولا انقطاع، ولا فراغ لمدتها ولا فناء؛ لأن الله سبحانه ذكرها: أحقابا، ولم يذكر لها غاية ولا مدى؛ فدل بذلك على أنها أبدا، دائما سرمدا.

  ثم قال سبحانه: {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ٢٤}، يريد: لا يجدون فيها فسحة ولا راحة تبرد عنهم كربهم، ولا تنفس عنهم ألمهم، ولا تكشف عنهم حرارتهم، ولم يرد هاهنا بقوله: {بردا}: وقع البرد وحسه، وإنما أراد بالبرد: تهوين الأمر؛ لأن العرب تقول: «برد عني غمي كذا وكذا، وبرد عني ألم علتي كذا وكذا»، يريدون: هون عني، وسهل علي، وفرج كربي كذا وكذا؛ لا أنها تريد بقولها: أنه أصاب القائل لذلك بردا أبرد جلده؛ فهذا معنى ما ذكر الله سبحانه من البرد الذي لا يذوقه أهل جهنم، يريد: أمرا يسهل عليهم عذابهم، ويفرج عنهم كربهم، من أمر