سورة النبأ
  رقيب عتيد ١٨}[ق]، ومن الملائكة الوقوف: ملائكة موكلون بإيصال المثابين إلى الثواب الكريم، وإيصال المعاقبين إلى عذاب الجحيم، وكذلك سائر الملائكة: كل منهم واقف ينتظر أمر ربه، معظما لما يرى من فعله. {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن}، يقول: لا ينطقون من هيبته، ولا يتكلمون من إجلاله وتوقيره سبحانه وتقديسه، {إلا من أذن له الرحمن} منهم، والإذن هاهنا هو: الأمر من الله له بالكلام بما يأمرهم، من توقيف العباد على أفعالهم، ومحاسبتهم على أعمالهم. {وقال صوابا ٣٨} معناها: قال حقا، من توقيف الحفظة للآدميين على ما كان من فعلهم، وتعريفهم ما تقدم من خطاياهم التي أحصوها عليهم في دنياهم، فوقفوا من ذلك على الصواب؛ والصواب هاهنا فهو: الحق في جميع الأسباب، من قول كان أو عمل.
  ثم قال سبحانه: {ذلك اليوم الحق}، يريد أي: ذلك يوم حق، معنى «يوم حق» أي: أنه يوم آت حق كفلق الصبح، لا خلف في إتيانه، ولا بطلان لما ذكر منه، فإتيانه حق، وكينونته حق، وكل ما يفعل فيه فحق، لا ظلم فيه ولا حيف. {فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ٣٩}، يقول سبحانه: فمن شاء من الخلق اتخذ في دار دنياه، وقبل فنائه وانقضائه إلى ربه سبيلا، أي: يجده غدا عنده، من العمل بطاعته، والإتباع لمرضاته. ومعنى {اتخذ إلى ربه مآبا} هو: جعل بينه وبينه وصلة لا تنقطع، وسبيلا يوصله إلى جناته، ويوجب له ما وعد المطيعين من ثوابه، حتى يدخر له بطاعته، واتباع مرضاته - فوزا يؤوب إليه؛ ويؤوب: ينقلب فيه وإليه، ومعنى {مآبا} هو: موئلا ومرجعا يجده عند رجوعه إلى ربه، وسببا عند الله يصادفه عند مآبه إلى دار آخرته، يسره المنقلب إليه، وينفعه المآب فيه.
  ثم قال سبحانه: {إنا أنذرناكم عذابا قريبا}، يريد: دانيا قد أزف حينه، وقرب وقته، ومعنى {أنذرناكم} هو: حذرناكم وتقدمنا إليكم، وأعذرنا في قطع الحجة بيننا وبينكم، قبل مصيركم إلى العذاب، بتماديكم في المعاصي