تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة الغاشية

صفحة 408 - الجزء 3

  وما ذكر الله سبحانه من خلق الإبل - فعجب عجيب، إذا نظر فيه المفكر اللبيب؛ لما جعلها الله سبحانه عليه من عظيم الخلق، وشدة أسر الأوصال، وما كفى الله بها الناس، من حمل فادح الأثقال، وما جعلها عليه - من قوتها وشدتها - من السخرة والتذلل، وجعل فيها من الجمال، وبلوغ الحاجة والسفر البعيد؛ قال الله ذو الجلال والإكرام، وهو يذكر ما جعل من النعمة في الأنعام: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ٥ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ٦ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم ٧}⁣[النحل]، فهي كما قال سبحانه: تحمل من الأثقال، وتطيق من كبار الأحمال - ما لا يحمل غيرها من الدواب التي جعلها سخرة للركوب والأسفار؛ فسبحان الكريم الرحمن الجبار. وأي دليل أدل على ما ذكر الله سبحانه في تسخيره، مما هي عليه من الذلة، مع عظم خلقها، وشدة أسرها، وما يدل عليه من غلبتها الكبير من الدواب والحيوان، [و] لما هو أشد أضعافا من الإنسان؟! فمن يرى الإبل وتسخيرها وأمرها: إلا علم أنها لم تذل فنقوى عليها، إلا بتذليل الله وتسخيرها، فأمن الإنسان من مغالبتها، وقهر صيالها وشدتها، ولولا تسخير الله لها ما كان الناس لها مقرنين؛ فسبحان الله وبحمده الرؤوف الرحيم.

  وقد زعم بعض من الجهال، ومن لا يعرف ما نزل الله به من القرآن في عربي اللسان: أن الإبل التي ذكرت غيم السحاب.

  وهذا لا يحتاج لقائله - لانكشاف جهله - إلى جواب؛ والحمد لله رب العالمين كثيرا، الذي ذلل الأنعام وسخرها تسخيرا.

  وما ذكر الله سبحانه من الجبال ونصبها - فمن دلائل آيات الله وعجائبها؛ إذ الجبال في كبرها، وعظمها وثقلها، التي فاقت فيه جميع ما في الأرض كلها - أشد ما في الأرض علوا وانتصابا، وأرفعه في الجو سموا وذهابا؛ فمن فهم وفكر،