قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا 22}
  آياته، يقول: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ٢١ وجاء ربك والملك صفا صفا ٢٢ وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ٢٣}.
  ودك المدكوك فهو: تكسيره وتحطيمه، ودق بعضه ببعض وتهشيمه، وذلك حين تدك الأرض بالجبال، فتصير الجبال كالكثيب المنهال، قال الله تعالى: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ١٤}[الحاقة].
  وما ذكر الله من مجيئه فهو: مجيء أمره ونقمته، وظهور ما يظهر يوم القيامة من عظيم آياته، وما يكون يومئذ من عقابه لأهل معصيته؛ فلما بدا من آيات الله العظام في يوم القيامة ما كان لا يعاين ولا يرى، من فعله في دار الدنيا، فرأى الخلق يومئذ من أخذ الله بانتقامه للعاصين، وشدة زلزال بطش عقاب الله بالظالمين، ما لم يكونوا في دار الدنيا يرون - جاز أن يسمي الله تبارك وتعالى - كما يسمعون - إتيان أمره وآياته، عند أخذه لأهل معصيته؛ لشدة بأسه وعقابه، وما يصير إليه من أطاعه من كريم ثوابه: إتيانا منه؛ إذ كان ما ظهر في ذلك كله من الآيات العظام - إنما كان بقدرته وعنه؛ وذلك مفهوم في لسان العرب، عند من كان ذا لب؛ قد يقولون اليوم في مفهوم اللسان بينهم، عندما يكون من سطوات ملوكهم فيهم، وعند حلول جنود ملوكهم بمن يعصيه: «جاء القوم ما لا يطيقون»، حين سطا جنود ملكهم بهم في الدنيا، ويقولون: «جاءهم الملك والخليفة»، وإنما جاءتهم جنوده المبعوثة.
  فلما كان يبدو للخلق في يوم القيامة من الزلزال [والآيات العظيمة، بما يكور من الشمس والقمر وينتثر من النجوم، وما يبدي الله ملك الملوك وربهم الحي القيوم من] الآيات العظام، التي يظهرها الله في ذلك اليوم، وكان العصاة الظلمة من الآدميين - عنها وعن الحذر بها في دار الدنيا غافلين، وعما أنذرهم الله ورسله منها معرضين - كان معقولا عند من فهم عن الله من ذوي العقول والأفهام - قول الله ذي الجلال والإكرام: {وجاء ربك} و {هل ينظرون إلا أن يأتيهم