تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا 22}

صفحة 420 - الجزء 3

  الله}⁣[البقرة: ٢١٠].

  لما جاءهم يوم القيامة أمر الله، وبدا لهم ما لم يكن يبدو من انتقام الله، وحكم تبارك وتعالى بينهم بالحق والفصل، ووضعت موازين القسط، التي معناها: ما يكون يومئذ من العدل، الذي لا يغادر معه صغيرة ولا كبيرة من الإساءة إلا أحصيت، ولا حسنة من الحسنات تدق ولا تجل إلا أحصي ثوابها وحصرت، وأحاط بالظالمين يومئذ من بأس الله ما كانوا يحذرون، ورأوا حينئذ كل ما كانوا به ينذرون، وحكم بين الخلق فيما كانوا يختلفون، وبدا لهم في ذلك اليوم الأعظم ما كانوا به من جهنم يوعدون - قال الله سبحانه: {وجيء يومئذ بجهنم}، والمجيء بها فهو: حضورها، وإبداء الله لها -؛ فرأوها وسمعوا شهيقها وزفيرها، وأبصروا تغيضها ولهيبها وسعيرها، وأخذتهم الأغلال والسلاسل، وأحاطت بهم الكروب والزلازل، وصف الروح والملائكة صفا صفا، وامتلأت قلوب العاصين رعبا وخوفا - كان حضور أمر الله في ذلك كله ومجيئه - جائز به مفهوم فيه ومعه أن يقال: {جاء ربك}، حين جاءت البطشة الكبرى، وبدا من الله في ذلك ما لم يكن يعاين الكفار في دار الدنيا، وجاء يومئذ ثواب الله لأهل الطاعة والتقوى، من جنات النعيم التي يخلدون فيها فلا يفنون ولا يفنى.

  ولا يتوهم الخبر في المجيء من الله سبحانه والإتيان: انتقال، ولا زوال من مكان إلى مكان؛ جل عن ذلك وتبارك وتعالى؛ إذ ليس كمثله شيء، ولم يكن له شيء مثلا، ليس زائل سبحانه ولا منتقل، ولا يوصف بهبوط من علو إلى سفل، وليس يمثل سبحانه في شيء من أموره كلها بمثل ولا ند، ولا مثل له ولا نظير، ولا كفؤ ولا شبيه ولا عديل، له الأسماء الحسنى، والأمثال العلى.

  نعوذ بالله من سخطه ومعصيته، ونسأله أن يؤمن روعنا يوم القيامة بعفوه ومغفرته، ويسعدنا بإيثار تقواه وطاعته، لنا يوم الفزع الأكبر باتباع مرضاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلنا، وهو رب العرش العظيم.