تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125}

صفحة 424 - الجزء 1

  وأما جعله لصدر الفاسق ضيقا حرجا فهو: بالخذلان منه له، وترك التوفيق والتسديد، وبما يزيد أوليائه في كل يوم برهانا، من الحجة النيرة والبيان، وبما يقيم لهم به حقهم، ويثبت لهم به دعوتهم؛ فكلما زاد الله أوليائه نورا، وظهور حجة - ازدادت صدور أعدائه حرجا بذلك وضيقا؛ فهذا معنى جعله لصدر عدوه ضيقا حرجا.

  وقال في كتاب البساط للإمام الناصر الأطروش #:

  كثيرا ما تساءل المجبرة عن قول الله جل ذكره: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}، إلى قوله: {على الذين لا يؤمنون}: فقد فسرنا معنى {من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، وكيف هذه الآية، وشرحه لصدره في باب الهداية، مما فيه كفاية إن شاء الله.

  وأما قوله: {ومن يرد الله أن يضله}، وذلك فكقوله: {وما يضل به إلا الفاسقين}، وقوله: {وكذلك يضل الله الكافرين}، وقوله: {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}، وذلك: فحكمه عليهم بأنهم قد ضلوا لما عصوه، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون}، فمن لم يؤمن فهم: الذين يريد الله أن يضلهم، ويجعل الرجس عليهم.

  وأما قوله سبحانه: {يجعل صدره ضيقا حرجا} فإن الجعل من الله في كتابه على وجهين، ومعنيين: فجعل معناه: الخلق، وذلك مثل قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ۝ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين}، ومثل قوله: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}؛ فهذا الجعل معناه معنى الخلق. وجعل آخر، معناه: الحكم من الله، لا معنى الخلق منه، وذلك فمثل قوله: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، ومثل قوله: