قوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}
  {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}، يعني جل ثناؤه، وقهر سلطانه: أن أمره هذا الذي عنى في هذا الموضع، أي: أمرنا مترفيها بأمرنا فتركوه وفسقوا فيها. وهذا الكلام لا يجهله ذو لب، ولا ينكره من كان له في العربية أدنى سبب؛ قال الشاعر بذكر الإضمار في الكلام، ويستغني عن موضعه؛ لعلم العرب به وصحتها عندها:
  وإن المنية من يخشها ... فسوف يصادفها أين ما
  يريد: أين ما كان من جميع الدنيا أدركته المنية؛ فأضمر ذلك؛ لعلمه أن العرب قد علمت ما أراد؛ قال امرئ القيس بن حجر الكندي، وكان من أهل نجد:
  لعمرك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد بك مدفعا
  فأضمر، ولم يأت بجواب: «لعمرك لو شيء أتانا سواك»، وكان ينبغي أن يقول: «لفعلنا كذا وكذا»؛ فأضمره. وقال ø: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته فإن الله تواب حكيم}، ثم وقف الكلام، وقد علمت العرب أن تحته: «لكان كذا وكذا من العقاب»، فأضمره ولم يذكره. وقال في قصة يوسف #: {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق}، فأضمر، والذي تعرف العرب أنه أراد: أنه عنى: «فأرسلون إلى يوسف الذي في السجن»، فأضمر: «إلى يوسف»، وأضمر الإرسال، وأضمر المصير إليه، فلم يذكر ذلك؛ لاستغناء العرب عنه بقوله: {يوسف أيها الصديق}، ومثل هذا في القرآن كثير، في سورة يوسف وفي غيرها من السور، يطول بشرحه الكتاب، ولولا كثرته لفسرناه على جهته، بمعانيه وشواهده من أشعار العرب ولغاتها، وفيما قلنا كفاية وشفاء إن شاء الله؛ والله ø لا يأمر أحدا من جميع خلقه بفسق ولا فساد، ولا معصية ولا إلحاد، ولا يصدهم عن خير ولا رشاد؛ جل عن ذلك وعلا علوا كبيرا؛ فقال ø: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها