قوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}
  تدميرا}، يقول جل ثناؤه: أمرناها بأمرنا، فتركت، فحق عليها القول، فوقع بها الهلاك والنقم بالدنيا والآخرة.
  {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا}، يقول: كفى به ø عالما بجميع الأشياء؛ إذ لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه غائبة، ولا يحجب عليه مستور؛ وكيف يكون ذلك، وهو القائل جل ثناؤه: {إن الله قد أحاط بكل شيء علما}؟! فقد علم بذنوبهم من قبل خلقه للسموات والأرضين، وإلى ما هم عليه باختيارهم صائرون.
  {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} هو: أنا قد رأينا الكل يريد أشياء كثيرة، فلا تواتيه ولا تسعفه ولا تدانيه؛ فالله ø يعجل لمن يشاء في الدنيا ما أراد، ثم يصيره إلى جهنم يصلاها مذموما مدحورا؛ والمدحور فهو في لغة أهل نجد: الملعون، ويقولون للرجل إذا غضبوا عليه: «دحر الله فلانا»، أي: لعنه؛ قال الشاعر:
  إن عوف ابن عامر رام ظلمي ... ولما زال فاجرا مدحورا
  وهو أيضا في اللغة: المبعد.
  {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها}، يعني: الجنة؛ والسعي لها: الأداء لجميع الفرائض، والاجتناب لجميع المحارم؛ فهذا السعي لها. {وهو مؤمن}، أي: مؤمن بالله، قائم بفرائضه، مؤد لما أمر به من طاعته.
  {فأولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}، فالله ø إنما يعطي المشركين ومن يعصيه من زخرف الدنيا ومتاعها: ما يكون له به عليهم الحجة، ويعطي المؤمنين الفضل فيما أنعم به عليهم من الهداية والدين، واتباع المرسلين، ثم قال ø: {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}؛ لأن درجات المؤمنين في الآخرة - ما لا يبلغه وهم متوهم، ولا يصفه لسان متكلم؛ لجليل خطره، وعظيم شأنه،