تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}

صفحة 120 - الجزء 2

  {ولكن لا تفقهون تسبيحهم}، يقول: لا تنزلونه منازله ولا تعرفون كيفيته.

  والحليم فهو: الذي لا يعجل، والغفور فهو: العافي عن الذنوب ممن أناب.

  وفيه وجه آخر، وهو أحب إلي، في معنى قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، يعني بذلك سبحانه: أنه إذا رأى خلقه بدائع صنعه، وعجائب تدبيره - سبحوا؛ لما رأوا من خلقه، فلما سبح المسبحون بحمده؛ لما عاينوا من عظيم قدرته - جاز أن يقول: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}؛ لما كان في تسبيح المسبح لما رأى من قدرة الله ø فيه، ومثل ذلك يشهد لنا في كتاب الله ø، حيث يقول في قصة قارون: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة}، وإنما المعنى فيه، الصحيح عند أهل العلم، وجميع أهل التفسير: أن العصبة أولي القوة هم الذين ينوءون بمفاتحه، كان العصبة تحمل المفاتيح، والمفاتيح لا تحمل العصبة ولا غيرها؛ فهذا أبين شاهد، وأحسن دليل. ومن ذلك قول الله ø أيضا: {وإذا الموءودة سئلت ۝ بأي ذنب قتلت}، وإنما المعنى فيه عند أهل العلم: وإذا الموءودة سئل عنها من قتلها: بأي ذنب قتلها؟ لأنها هي لا تسأل وهي المقتولة؛ إذ كان ليس عليها في العدل سؤال؛ لأن الله ø يقول: {فوربك لنسألنهم أجمعين ۝ عما كانوا يعملون}، والمسئول إنما هو القاتل لا المقتول، وقال ø: {وإذا الموءودة سئلت}، يقول: سئل قاتلها؛ وهذا فغير منكر في لغات العرب، ولا مجهول في كلامها وخطابها، وقلبها لمعاني الأشياء، من ذلك أنها تقول للديغ: «سليم»، وتقول للشمس: «جونة»؛ لشدة بياضها، والجون عندها: الاسم، فقلبت الاسم، وتقول للظبا: «الآدم»، تعني به: الظبا البيض؛ قال الشاعر:

  حتى لحقناهم تعدوا فوارسنا ... كأننا رعن قف نرفع الآلا⁣(⁣١)


(١) البيت للنابغة الجعدي، أراد: تعدوا فوارسنا الخيل، والرعن: أنفٌ يتقدم الجبل والهضبة، كما =