قوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}
  يوما، ثم انصرف عنهم، وقال #: «نهيت عن قتال ثقيف»، وقد كانوا قتلوا من أصحابه أربعة عشر رجلا، منهم: ابن أبي بكر بن أبي قحافة، وعبدالله بن أمية، زاد الركب، وهو ابن عمة النبي ÷، وأمه عاتكة بنت عبدالمطلب، وهو أخو [أم] سلمة زوج النبي ÷، وعبدالله بن عامر بن ربيعة، وعبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن عطية، وسعد بن سعيد بن العاص بن أمية؛ فلما انصرف رسول الله ÷ أتاه وفد ثقيف: بنو عمير بن عبد ياليل، وقد كانوا أوفدوا إليه من كل بطن رجلا؛ لشدة شوكتهم، وجرأتهم على الله ø، وكان فيهم عثمان بن أبي العاص، فأتوا النبي ÷، فسر بمجيئهم، فسألوا النبي ÷: أن يمتعهم باللات سنة، وسألوه أشياء كثيرة، منها: ألا تجني(١) نساؤهم في الصلاة، وأن يحرم واديهم كما حرمت مكة، شجرها وطيرها ووحشها؛ فأجابهم رسول الله ÷ إلى ما يصلح ويجوز من مسائلهم، إلا التمتع باللات، وتحريم الوادي؛ فجعلوا يردون عليه، ويقولون: فسنة واحدة؛ حتى تعرف العرب فضلنا عليهم. فأمسك عنهم في الثانية، ولم يرد عليهم جوابا، فداخلهم الطمع فيما طلبوا، فأنزل الله: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}. وقوله ø: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض}، يعني بذلك: كيدهم له، وما أرادوا به من الغوائل، فحماه الله ø عن ذلك كله، وأيده بنصره، وحفظه من كيد الظالمين؛ وقد جاء في الرواية: أن قريظة والنظير وبني قينقاع اجتمعوا إلى النبي ÷ حيث هاجر، فقالوا له: يا أبا القاسم، إن الأنبياء بعثوا بالشام، وهي بلاد مقدسة، وأنت قد عرفت مهاجر إبراهيم كان إليها، وكان بها إسحاق، ويعقوب، والأسباط، وعمران، يعنون: أبا مريم ابنة عمران، وزكريا، وموسى، وهارون، وعيسى، ويحيى، وجميع الأنبياء، إلا قليلا منهم؛ فلو أنك خرجت إلى الشام صدقناك، وآمنا بك، واتبعناك. قال: فوقع في قلب النبي ÷ ذلك؛ لما يحب من إسلام الناس،
(١) قال في تاج العروس في سياق «هدأ»: جَنِئَ بالجيم، أَي: انحنى.